DR. AOULMI.B

DR. AOULMI.B

العالم الإسلامي وتحديات التنمية المستدام

العالم الإسلامي وتحديات التنمية المستدامة

_ منظمة الإيسيسكو

مقدمة

ازداد الاهتمام بقضايا البيئة، ومشكلاتها في الوقت الحاضر، بعد أن نمت مهارة الإنسان، أكثر مما نمت لديه الحكمة والعقلانية، وبعد أن أصبحت المشكلات البيئية واقعاً يتهدد حياة الإنسان حالياً ومستقبلاً، ما لم يتدارك ويعدل من سلوكه الخاطىء بفطنة وذكاء.

ومن المسلم به أن الإنسان لو التزم بتوجيهات الإسلام، ونفذ أوامره واجتنب نواهيه، لتخلص من كل أسباب المشكلات البيئية، ولانتفت من الوجود، ذلك، أن اللَّه سبحانه وتعالى خالق النفس البشرية، يعلم ما يصلح أمرها، وكذلك مايضرُ بها، ويوردها المهالك، وصدق اللَّه العظيم، إذ يقول في كتابة الكريم { ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوََ اللَّطِيفُ الْخَبِير }. (سورة الملك، آية :14 ).

ولقد عالج الإسلام كل قضايا البيئة، بنظرة شمولية متكاملة، دون الدخول في التفاصيل الدقيقة، وصدق اللَّه العظيم، إذا يقول في كتابة الكريم { مَا فرطنا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء  } (سورة الانعام، آية : 38).

وقوله سبحانه وتعالى في سورة أخرى { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مَنَ الأَمْرِ فَاتبِعْهَا  } ( سورة الجاثية، آية :18).

كذلك عالجت السنة النبوية متمثلةً فى أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، ماجاء، مجملاً في القرآن الكريم، وصدق اللَّه العظيم، إذا يقول { وَمَا ينطِقُ عَنِ الْهَوَى، إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيّ يُوحَى }  ( سورة النجم، الآيتان : 3 و4).

وتشتمل الدراسة على أربعة فصول :

الفصل الأول : ويناقش مفهوم البيئة ومكوناتها من وجهة نظر إسلامية، كما وردت في القرآن الكريم والحديث الشريف، بطريقة إجمالية أو تفصيلية.

الفصل الثاني : ويتعرض لمفهوم التنمية المستدامة، والظروف التي أدت إليها، وتعريفها، ومقوماتها، وضوابطها بالنسبة للنظم البيئية الطبيعية، وبالنسبة للمحيط الاجتماعي.

الفصل الثالث :  ويفسر أسس ومقومات التنمية المستدامة من المنظور الإسلامي، ثم بعد ذلك تعريفها.

الفصل الرابع: ويحلل بعض المعوقات الأساس للتنمية المستدامة، ومطالب دول  العالم الإسلامي من قمة التنمية المستدامة العالمية.

 

الفصل الأول

مفهوم البيئة ومكوناتها من وجهة نظر إسلامية

أ ) مفهوم البيئة :

تعرف البيئة بأنها الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان بما يتضمن من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها، ويستمد منه مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى، ويمارس فيه علاقاته مع من سواه، ويرى أحد علماء البيئة البارزين : أن البيئة هي مجموعة الظروف والمواد والتفاعلات التي تجتمع في الحيز الذي توجد فيه الحياة. الظروف : تشمل أحوال المناخ من الحرارة والرطوبة والضوء، والأحوال الكونية كالجاذبية الأرضية. المواد :  تشمل الأرض وما يتصل بها من مكونات الصخور، والمياه الجارية في الأنهار والتي تملأ البحار، ومنتجات الحياه من الأوراق والأخشاب والثمار والفراء وغيرها، والتفاعلات التي تجري في هذا الإطار بعضها فيزيقي كالتحولات الكيميائية، وبعضها حيوي يتصل بنمو الكائنات الحية، ومدى هذه التفاعلات قد يكون محلياً موضوعياً بين الكائن الفرد وماحوله، وقد يكون واسع المدى كدورات المياه وحركة الرياح، كذلك قد يكون الحيز الذي ننظر إليه محدوداً، وقد يتسع ليشمل المحيط الحيوي  جميعاً أي الحيز الذي توجد فيه الحياة وهو المـحيط الغـازي   Atmosphere والمحيط المائي Hydrosphere والمحيط اليابس  Lithosphere، أي أن للبيئة ثلاثة أبعاد، البعد الأيكولوجي، والبعد الاجتماعي الاقتصادي ، والبعد الاجتماعي الثقافي ( النظام القيمي)، لذا فإن الإنسان في واقع الأمر يعيش في بيئة تتكون من ثلاثة محيطات ( متداخلة) متفاعلة، تتبادل التأثر والتأثير، وهي :

المحيط  الحيوي : وهو بيئة الحياة الفطرية أو الأصلية التي أوجدها اللَّه، الإنسان فيها بين صور الحياة الأخرى.

المحيط المصنوع : ويتكون مما أنشأه الإنسان في البيئة.

المحيط الاجتماعي : وهو النظام الذي تدير في إطاره المجتمعات البشرية شؤون حياتها الاجتماعية والاقتصادية، من قبيل الأعراف الاجتماعية والشؤون الإدارية والتشريعات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية.

وينظر إلى البيئة على أنها نظام وظيفي، يعمل بشكل متكامل وعبر علاقات متبادلة بين مكوناته العضوية، وغير العضوية. وللنظام البيئي مدخلات، ونقل وتخزين، ومخرجات من الطاقة والموارد الأساس، تعمل في الظروف الطبيعية، وعندما يضطرب النظام البيئي بفعل الإنسان، فإنه يميل في البداية إلى إعادة تنظيم ذاته، فمن خلال عملية التعاقب مثلاً يتجه الغطاء النباتي إلى تكوين مجتمع نباتي مستقر ثابت، وذلك تبعاً  للطاقة المتدفقة، وتشير ظروف الثبات في النظم البيئية إلى التوازن الديناميكي بين المدخلات من الطاقة والمادة وبين المخرجات منها.

وفي ضوء التعريف السابق يمكن النظر إلى البيئة على أنها تتكون من نظامين أساسين (5) هما البيئة الطبيعية والبيئة الحضارية.

البيئة الطبيعية :

ويقصد بها الأرض والماء والهواء، والكائنات الحية النباتية والحيوانية، بما في ذلك العمليات الطبيعية المختلفة الناتجة عن تفاعل عناصر النظام الطبيعي للإنسان.

البيئة الحضارية :

ويقصد بها النظـام الذي أوجده الإنسان في الوسط الطبيعي مثل النظم الحضارية والريفية بما في ذلك المباني والشوارع والمصانع والزراعة والتكنولوجيا، والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية وغيرها من الأنشطة التي تهدف إلى إشباع حاجات الإنسان المعيشية ورغباته، وكذلك وسائل معالجته للمشكلات الناجمة من خلال علاقاته مع الوسط الطبيعي، ومدى استجابته وتوافقه مع تلك المشكلات.

ومن الصعوبة بمكان، بل ومن المستحيل الفصل بين النظم الطبيعية والنظم الحضارية : إذ استطاع الإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض وخلال مراحل تطوره الحضاري أن يؤثر في معظم أو كل النظم الطبيعية من خلال تفاعله معها، وتعديل بعضها، واعتماده على الموارد البيئية المختلفة في تلبية حاجاته الحياتية كالضوء والحرارة والغذاء والمأوى والمياه والهواء.

ب ) مكونات النظام البيئي الطبيعي :

إذا أخذنا بعين الاعتبار كوكب الأرض، فإنه يمكن اعتباره نظاماً في الدرجة العالية، ويتكون من أربعة نظم فرعية أساس، هي :

النظام الأرضي ـ النظـام الجوي ـ النظام المائي ـ  النظام الحيوي. وهذه النظم الفرعية الأساس، كل نظام منها يتكون من عدة أنظمة فرعية أخرى تتفاعل فيما بينها بعلاقات شبكية.

النظام الأرضي :

يعرف النظام الأرضي على  أنه القشرة العليا من سطح الأرض ( طبقة السيال) التي يعيش عليها الإنسان، يتفاعل مع عناصرها ولا يتجاوز عمق القشرة التي يهتم بها الإنسان بضعة أمتار، أو مئات الأمتار، وتوجد بها كافة المعادن، باستثناء بعض الآبار الارتوازية التي يصل عمقها إلى ثمانية كيلو مترات، وكذلك آبار النفط وبعض المناجم.

إن الخالق عظمت قدرته حينما هيأ الأرض لسكنى الإنسان، جعلها مناسبة وملائمة لحياته، فأنبت له الشجر والزرع، وأجرى له الأنهار، وسخر له الليل والنهار والشمس والقمر وزوده بنعمة العقل، وجعل الطبيعة في خدمته قال تعالى :

{ أَلَمْ نَجْعَلِ  الأرض مِهَاداً ، وَالْجِبَالَ أَوْتَآداً ، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ، وَجَعلْنا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً،  وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ، وبنينا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شداداً ، وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ، وَأَنزلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً، لنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً ، وَجَنَّاتٍ أَلْفآفاً }، (سورة النبأ، الآيات: 16-6).

وخالق الأرض هو اللَّه حيث يقول في كتابه الكريم :

{مَّاأَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخذََ الْمُضِلِّينَ عَضُداً } (سورة الكهف، الآية:51 ) واللَّه خلق الإنسان من تراب. من طين.. من حمإ مسنون.. من صلصال كالفخار.. ثم نفخ فيه من روحه، فأصل الإنسان ومقومات حياته من الأرض.. من الطين.. هذه القشرة الأرضية الخصبة هي التي تعطي كل مقومات الحياة التي نعيشها، ولقد حلل العلماء جسد الإنسان، فوجدوه مكوناً من عنصراً أولها الأوكسجين وآخرها المنجنيز، والقشرة الأرضية الخصبة مكونة من نفس العناصر، إذ أن عناصر الطين المخصب هي نفس عناصر جسم الإنسان.

وقد أمر اللَّه سبحانه وتعالى الإنسان بعدم الإفساد في الأرض، حيث قال في كتابه الكريم :

{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمعاً إنَّ رَحْمََةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } (سورة الأعراف، الآية: 56).

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ }  ( سورة محمد، الآية: 22).

{ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَيحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  } (سورة المائدة، الآية: 64).

ومظاهر إفساد الإنسان في الغلاف الأرضي تتجلى في إهدار التربة والتصحر  وعدم تسوية الأرض بعد التنقيب عن المعادن.. إلخ. لقد نمت لدى الإنسان المهارة أكثر مما نمت لديه الحكمة والعقلانية.

النظام المائي ( الهيدرولوجي) :

ويشتمل على الماء في حالاته الثلاث الغازية والسائلة والصلبة، سواء أكان موجوداً في الهواء أو على سطح الأرض أو في داخل الأرض.

ولقد ذكر الماء في القرآن في ثلاثة وستين موضعاً، تندرج تحت التصنيفات التالية:

الماء أول الموجودات :

يقول اللَّه تعالى في محكم كتابه :

{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (سورة هود، الآية :7)

وعن رسول اللَّه ص : (كان اللَّه ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء )، أخرجه الترمذي".

الماء تعتمد عليه كل الكائنات :

يقول اللَّه تعالى :

{ وَجَعَلْنَا مِنَ الّمَاءِ كُلَّ شَيءٍّ حَي أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } (سورة الأنبياء، الآية : 30).

أثبتت الأبحاث أن جسم الإنسان يحتوي على %70 من مكوناته من الماء، فإذا تناقصت هذه النسبة، تعرضت أجزاؤه للمرض، فإذا وصلت نسبة الفقد إلى %20 تعرض للموت، وأصل الإنسان من ماء، وصدق اللَّه العظيم القائل في كتابه الكريم:

{ وَهُوَ الَّذي خَلَقَ مِنَ الّمَاء بَشَراً فجعله نَسَباً وَصِهْرا ًوَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } (سورة الفرقان، الآية: 54).

الماء سبب إنبات كل شيء :

حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى :

{ وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلَّ شَيْءٍ } (سورة الأنعام، الآية: 99).

{ وَأَنَزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍٍ  } (سورة لقمان، الآية: 10).

الماء مصدر تنوع الحياه النباتية على الأرض:

حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى :

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الَّلهَ أَنْزَلَ مِنَ السَماءِ مَاءً فَأَخْرَجنَاَ بِهِ ثَمَراتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } (سورة فاطر، الآية:27).

الماء مصدر الرزق :

حيث يقول الله تعالى :

{ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ } ( سورة البقرة، الآية:22).

الماء مصدر للشرب :

عظة واعتباراً للبشر، حيث يقول سبحانه وتعالى :

{ أَفَرَأَيْتُم الْمَاءُ الَّذي تَشْرَبُون، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُون، وْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } (سورة الواقعة، الآيات : 68 - 70).

الماء مورد للاستغاثة لتذكر اللَّه:

قال تعالى :

{ وَإِذا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إلاَّ إِيَّاهُ} (سورة الإسراء، الآية:67).

{ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ } (سورة الأعراف، الآية: 50).

{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } (سورة الرعد، الآية: 14).

الماء وعد ووعيد :

قال اللَّه تعالى :

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ  إن أَصْبَحَ ْ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يأْتيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِين} ( سورة الملك، الآية : 30).

الماء مصدر رهبة ورجاء:

قال اللَّه تعالى :

{ هُوَ الَّذي يُريكُم الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشيءُ السَّحَآبَ الثِّقَالَ } (سورة الرعد، الآية:12).

{وَمِنَ آياتِهِ يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفآً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } (سورة الروم، الآية: 24).

الناس في حاجة إلى تخزين الماء على مدار العام في آبار أو عيون، حيث يقول اللَّه تعالى :

{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرِ فأَسْكَنَّاهُ في الأرْضِ وَإنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لِقَادِرُون } (سورة المؤمنون، الآية: 18).

{ وَجَعَلْنَآ فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وفجرنا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} (سورة يس، الآية:34).

{ وَأَرْسَلْنَا السًّمَاءَ عَلْيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَآ الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تحتهم }  (سورة الأنعام، الآية:6).

الماء سبب للهلاك :

حيث يقول ربنا الكريم :

{ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءِ مُّنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الَماءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } (سورة القمر،الآيتان :12-11).

{ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُون } (سورة الدخان، الآية:24).

الماء مصدر للتعذيب يوم القيامة :

قال اللَّه تعالى :

{ مِّن وَرَآئه جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ } (سورة إبراهيم، الآية:16).

{ وَسُقُواْ مَاءُ حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ  } (سورة محمد، الآية:15).

الماء سبب للتكاثر والخلود :

وصدق اللَّه العظيم القائل في كتابه الكريم :

{ فلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِق ، خُلِقَ مِن مَّاءِ دَافقٍ ، يَخْرُجُ مِن بَيْنَ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ } (سورة الطارق، الآيات : 7-5 ) .

الماء وسيلة انتقال :

حيث يقول ربنا الكريم :

{ اللَّهُ الَّذي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ ِفيه بأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  } (سورة الجاثية، الآية : 12)..

الماء مصدر للغذاء :

الماء مصدر لاينفد للأطعمة المائية والبروتينات الحيوانية، وصدق اللَّه العظيم القائل في محكم كتابه :

{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ  } (سورة المائدة، الآية : 96).

{ وَمَا يسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } (سورة فاطر، الآية : 12).

الماء بشارة خير ورحمة وطهارة وبركة وحياة للناس :

حيث يقول سبحانه وتعالى :

{ وَهُوَ الَّذي أرْسَلَ الرياح بُشْرََ ا بيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزلْنَآ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً  } (سورة الفرقان، الآية: 48)

{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ  } (سورة الأنفال، الآية :11).

{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأنَبتْنَا بِهِِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ } (سورة ق، الآية :9).

الماء يذهب الخطايا والذنوب :

عن أبي هريرة أن رسول اللَّه ص قال : ( إذا توضأ العبد المسلم ـ المؤمن ـ فغسل وجهه، خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء ـ أو مع آخر قطر الماء ـ فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء ـ أو مع آخر قطر الماء ـ حتى يخرج نقياً من الذنوب ) أخرجه مسلم.

وبعد كل هذه الاستخدامات للماء.. ألا يتعظ الإنسان حامل الأمانة؟ أفلا يتدبر ويتفكر في نتائج تلويثه لمصادر المياه..! والتي تجلب إليه الأمراض الخبيثة حالياً ومستقبلاً، وصدق اللَّه العظيم، القائل في كتابه الكريم:

{ فَإِنَّهَا لاَتَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنَ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (سورة الحج، الآية : 46).

{ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّيَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بهَا }  (سورة الأعراف، الآية : 179).

النظام الجوي :

يحيط بالكرة الأرضية غلاف جوي ( أو ما يسمي بالهواء) يتكون أساساً من غازي النيتروجين والأوكسجين، ويمتد هذا الغلاف الجوي إلى عدة مئات من الكيلومترات فوق سطح الأرض؛ وتقل كثافته بالارتفاع إلى درجة كبيرة ويتكون الغلاف الجوي من طبقات رئيسة تتداخل في بعضها البعض. وهذه الطبقات هي:

أ) التربوسفير : أو الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، وتمتد من سطح الأرض حتى ارتفاع 12 كيلومتراً تقريباً، وفي هذه الطبقة تحدث معظم التغيرات الجوية التي نلمسها يومياً، وتقل فيها درجات الحرارة مع الارتفاع، وهذه الطبقة تحتوي على معظم بخار الماء والأوكسجين وثان أكسيد الكربون، وتتركز فيها أنشطة الإنسان.

ب) الاستراتوسفير : وهي الطبقة التي تعلو التروبوسفير، وتمتد من ارتفاع 12 إلى 80 كيلومتراً تقريباً فوق سطح الأرض، وتتميز هذه الطبقة بخلوها من التقلبات المختلفة أو العواصف، ويوجد بها حزام يعرف بطبقة الأوزون التي تحمي سطح الأرض من مخاطر الأشعة فوق البنفسجية.

ج) الأيونوسفير : وهي الطبقة التي تعلو الاستراتوسفير من ارتفاع 80 كيلومتراً تقريباً وحتى 360 كيلومتراً أو أكثر، وتتميز بخفة غازاتها، ويسود فيها غاز الهيدروجين والهليوم، وصدق اللَّه العظيم، إذ يقول في كتابه الكريم:

{  فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءِ أَمْرَهَا  } (سورة فصلت، الآية : 12).

يتكون الهواء في طبقته السفلى من عدة غازات إضافة إلى بخار الماء، وبعض الجسيمات الدقيقة ( الأتربة والرذاذ)، والهواء الجاف غير الملوث يتكون من %78 غاز النيتروجين، %21 أوكسجين وحوالي %0,09 غاز أرجون، والبقية من غازات شحيحة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون والنيون والهليوم والهيدروجين والميثان وغيرها، إضافة إلى هذا يحتوي الهواء على نسب مختلفة من بخار الماء، نتيجة للتبخر من السطوح المائية ومن التربة ومن النباتات، كما تعلق في الهواء كميات هائلة من الغبار (الأتربة) التي توجد بصورة مرئية للعين، ويختلف وجودها من منطقة إلى أخرى، فتزداد بالقرب من المناطق الصحراوية، خاصة في مواسم معينة ( مثل الخماسين) كما أن الغبار في الطبقات السفلى من الهواء أكثر مما في الطبقات العليا.

وقد احتفظ الهواء المحيط بالكرة الأرضية بتركيبه ثابتاً، بالرغم من الأنشطة الحيوية التي تجري على سطح الأرض، فالإنسان، وكذلك الحيوان، يستهلكان الأوكسجين بعملياته الحيوية، ويعطي ثاني أكسيد الكربون، ولكن النبات يستعمل ثاني أكسيد الكربون في عمليات التمثيل ( أو البناء) الضوئي فيحتفظ لنفسه بالكربون، ويعيد إلى الهواء غاز الأوكسجين، فإذا زادت نسبة أكسيد الكربون في الهواء ، فإن الفائض يذوب في المسطحات المائية ـ البحار والمحيطات، ويتفاعل مع أملاح الكالسيوم الذائبة فيها، ومن ثم يترسب في صورة كربونات  كالسـيوم (التي تكون الأحجار الجيرية). هذه التفاعلات الطبيعية التي تُعرف بالدورات الجيوكيميائية ـ أدت إلى وجود حالة من التوازن، احتفظ معها الهواء بتركيبه ثابتاً على مر الأزمان، ومن هنا فإن اللَّه سبحانه وتعالى يدعونا إلى التفكر في معجزة خلق السموات، وإعمال العقل في هذا الإعجاز، وذلك بقوله سبحانه وتعالى :

{ أأنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا }  (سورة النازعات، الآيتان :27 و28).

{ وَمَا خَلقْنَا السَّمَاءَ والأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعبينَ } (سورة الأنبياء، الآية : 16).

{ وَجعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِهَا مُعْرِضُونَ } ( سورة الأنبياء، الآية : 32).

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمََا بَآطِلاً } (سورة ص، آية:27).

لكن منذ أن عرف الإنسان النار، واستخدم مصادر الطاقة المختلفة، ومع الثورة الصناعية بدأت كميات هائلة من الغازات والمواد المختلفة تنبعث في الهواء محدثة خللاً متزايداً في التوازن الطبيعي الذي أوجده اللَّه في الغلاف الجوي، وصدق اللَّه العظيم، إذ يقول في محكم آياته :

{ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِِنَا عَذَابَ النَّارِ  } (سورة آل عمران، الآية: 191).

النظام الحيوي :

ويشتمل على كل مظاهر الحياة النباتية الحيوانية على اليابسة والماء، وتسهم العوامل المناخية والمائية وتنوع التربة وتباين المظهر الطبيعي للأرض، في تشكيل أعداد هائلة من النظم البيئية النباتية، كما يكون للتفاعل بين المياه والتربة والنبات الطبيعي، أثر حاسم في توزيع الحياة الحيوانية الطبيعية.

تعتمد حياة الإنسان وغيره من الكائنات على الثروة النباتية، فالغذاء الذي نأكله، يتكون من منتجات نباتية مثل القمح ـ الذرة ـ البطاطس ـ الأرز ..إلخ، وصدق اللَّه العظيم، حيث يقول في كتابه الكريم:

{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاء  مُّبَارَكاً  فأَنبتنا بِهِ جنات وَحَبَّ الْحَصِيدِ } (سورة ق، الآية : 9).

{ يُنِبتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ } (سورة النحل، الآية : 11).

وقد يتكون غذاء الإنسان من منتجات الحيوان الذي يتغذى على النباتات، كما أن تدفئة وإنارة بيوتنا ومصادر الطاقة لمصانعنا، اعتمدت أو تعتمد على الفحم المتكون من الغابات في الأحقاب الغابرة، أو من البترول، وهو من بقايا جيولوجية لنباتات وحيوانات، كذلك الأخشاب التي نعتمد عليها في أثاث منازلنا، والحرير والقطن والكتان الذي تصنع منه الأزياء، وكثير غيرها من العقاقير لم تكن لتتوفر لولا وجود النباتات.

ومن أهم مصادر الثروة النباتية الغابات بأنواعها المختلفة، ويحصل الإنسان منها على الكثير من المنتجات، فإضافة إلى الأخشاب والوقود، أصبح من الممكن إنتاج الأحماض ومواد اللصق، والكحول، وعلف الحيوان، والمواد المضادة للتجميد، والملاس، والأصباغ، والمطهرات، والزيوت، والورق، واللدائن، والأدوية، والمذيبات. ولقد قدر أن هناك 4500 مادة  مصنعة يمكن الحصول عليها جزئياً أو كلياً من الغابات .

وتشكل الغابات رئات للعالم، إذ تعمل على المحافظة على نسب الغازات في الغلاف الجوي، ولها أثر كبير في سقوط الامطار، فقد وجد أن كمية الأمطار قد نقصت خلال ست وعشرين سنة إلى حوالي %24 من المعدل، عما كانت عليه قبل اقتلاع الغابات في جمهورية كولومبيا.

وتتداخل العناصر الرئيسة للبيئة الطبيعية بأقسامها الفرعية وتتفاعل مع بعضها البعض بحيث يؤثر كل عنصر في بقية عناصر النظـام، فيتأثر النظام كله. فعلى سبيل المثال تؤثر الحرارة، وهي من عناصر النظام الجوي، في النظام المائي ممثلاً في البحار والأنهار والمحيطات، إذ يتكون بخار الماء الذي يتصاعد إلى طبقات الجو العليا عندما تسخن مياه البحار والمحيطات، وتحمله الرياح على هيئة سحاب من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض، فيسقط على هيئة أمطار. ويتحدد نوع النباتات  بدرجة الحرارة،  فحينما ترتفع درجة الحرارة وتسقط الأمطار بغزارة، تنمو الغابات الاستوائية، حول خط الاستواء في بيئة أرضية أو نظام أرضي. وتعد الغابات الاستوائية وما فيها من حيوانات برية جزءاً من النظام الحيوي، وهكذا نجد أن عناصر النظـام الطبيعي تربطها علاقات متشابكة، ويحرك هذا التفاعل ويستغله الإنسان بإمكاناته التكنولوجية وبقية عناصر بيئته الحضارية، فما هي عناصر البيئة الحضارية؟ وكيف تتفاعل مع عناصر البيئة؟.

ج) مكونات البيئة الحضارية:

يتكون النظام البيئي الحضاري من خمسة عناصر أساس هي :

1. النظام التكنولوجي.

2. النظام الاجتماعي.

3. النظام الاقتصادي.

4. النظام الثقافي.

5. النظام السياسي.

1. النظام التكنولوجي :

تعني التكنولوجيا في العصر الراهن استخدام المعرفة العلمية في التطبيق العلمي لاستثمار موارد البيئة من جهة، وحل المشكلات البيئية والتصدي للأخطار البيئية من جهة أخرى، أو بمعني آخر الإصحاح البيئي. والعلاقة التي تربط بين العلم والتكنولوجيا في الوقت الحاضر علاقة تبادلية، بمعنى أن كل ما يحرزه العلم من تقدم يتمثل في اختراعات تكنولوجية جديدة، ومن ثم تساعد تلك الاختراعات على تقدم العلم، ويلاحظ أن هناك تسارعاً في الفترة ما بين الاكتشاف العلمي الجدي وتطبيقه، فعلى سبيل المثال فإن التصوير الفوتوغرافي تم تطبيقه صناعياً بعد اكتشافه علمياً بـ (112  عاماً)، والتليفون استغرق إنتاجه 56 عاماً، أما الراديو فقد استغرق 35 عاماً، والرادار استغرق 15 عاماً، والترانزستور استغرق 5 سنوات، أما الدوائر المتكاملة فقد استغرقت 3 سنوات. إن هذه الظاهرة من السرعة المتزايدة يوماً بعد يوم، يجب أن تلفت نظرنا بشدة إلى ضرورة الإسراع بالخطى والاهتمام بالإنسان صانع التكنولوجيا، وضرورة الاهتمام بالفكر والعلم والابتكار، ووضع حلول غير تقليدية للمشكلات البيئية، وضرورة مواجهة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، التي تنشأ عن تنفيذ المشاريع التنموية.

دور التكنولوجيا في التفاعلات البيئية :

لقد تغلغلت التكنولوجيا وتطورت في النسيج الاجتماعي للناس، وفي حياتهم اليومية حتى أصبح من المستحيل أن تعود عقارب الساعة، وينفض الإنسان يده من التكنولوجيا، فلمعالجة الخلل البيئي الذي نشأ عن تطبيقات التكنولوجيا في الصناعة والزراعة، يجب استنباط وسائل تكنولوجية جديدة، أو تطوير الوسائل التكنولوجية الموجودة، كأنما المجتمعات الحد يثة قد أصبحت ( مُدمنة)  تكنولوجيا، والدواء الوحيد هو المزيد من التكنولوجيا.

2. النظام الاجتماعي :

يقصد بالبيئة الاجتماعية، الجزء الذي يشمل الأفراد والجماعات وتفاعلهم، وأنماط العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد والجماعات التي ينقسم إليها المجتمع، وتؤثر التقاليد والقيم الاجتماعية على استغلال ثروات البيئة.

ولتنفيذ المشروعات البيئية على المستويات المحلية ينبغي إدراك أهمية المعرفة الشاملة لأنماط العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد والجماعات والنظم الاجتماعية في تفاعلها وترابطها وتساندها الوظيفي كما يجب العمل على كسب القيادات التقليدية المحلية، التي تتوفر على المعرفة الدقيقة بمختلف أمور مجتمعها المحلي وبالأحداث البيئية التي مرت به.

وقد دعا الإسلام إلى نـظام اجتماعي أساسه الترابط والتكافل، إذ يقول الرسول ص: : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً)، كما وضع الإسلام معيار التقوى أساساً للمفاضلة بين الناس، فقال اللَّه تعالى : { إن أَكْرَمَكُمْ عَند اللَّه أتْقَآكُمْ إنَّ اللَّهَ عَليِمٌ خَبِيرٌ  } (سورة الحجرات، الآية: 13).

كما اعتبر الإسلام كل عمل نافعاً مادام يزيد الإنتاج ويخدم به الإنسان نفسه وغيره. مما سبق

ونخلص مما سبق أنه يجب وضع الاعتبارات الاجتماعية للبيئة في الحسبان عند إقامة مشروعات تنموية بها، ودراسة الآثار التنموية على البيئة الاجتماعية للسكان في إطار شامل متكامل، حتى يمكن تجنب كثير من مظاهر الإهدار والتلوث، وسوء استغلال الموارد البيئية.

3. النظام الاقتصادي.

يحدد النظام الاقتصادي في أي مجتمع كان، طبيعة حركة الموارد الطبيعية خلال النظـام ونوعية الموارد المتحركة، وما ينتج عنها من نتائج اقتصادية واجتماعية كارتفاع مستوى المعيشة، أو الإخلال بالوسط البيئي، وتغيير نوعية البيئة. وترتبط بالنظام الاقتصادي كذلك، درجة تقدم معدلات التغيير في نوعية البيئة، كزيادة طرح النفايات والفضلات والملوثات المختلفة التي تؤدي إلى تدهور البيئة. ففي المجتمعات الزراعية يكون إسهام الأنشطة الاقتصادية في تدهور نوعية البيئة ضئيلاً بالمقارنة مع دورها في المجتمعات المتقدمة، إذ في الأخيرة تتعاظم مشكلات تلوث التربة والماء والهواء والأزمات البيئية الأخرى وقد وضع الإسلام شرطاً أساسياً لممارسة العمل في كل أوجه النشاط الاقتصادي، وهو عدم الفساد في الأرض، قال تعالى:

{ وآبْتَغَ فِيَما آتَاك اللَّه الدَّارَ الآخِرة وَلاَ تَنسَ نَصيبكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنَ كَمَا أَحْسَنَ اللَّه إلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إنَّ اللَّهَ لاَيُحِبُّ المُفْسِدِينَ }  (سورة القصص، الآية: 77).

4. النظام الثقافي :

استطاع الإنسان، منذ ظهوره حتى الآن، أن يشيد بيئات اصطناعية ( أو حضارية) تختلف عن البيئات الطبيعية، كمحاولة لاستثمار الوسط البيئي لتلبية حاجاته واستمرار وجوده. وتعد النظم الثقافية جزءاً من البيئات الاصطناعية التي أوجدها الإنسان، وتشكل الثقافة مركباً متنوعاً من المعرفة والعقائد، والفنون والأخلاق والقوانين والأعراف، وكل المقدرات والعقائد الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث كونه عضواً في المجتمع.

وتلعب المعتقدات السائدة دوراً مهماً في إعاقة خطط التنمية وإهدار الموارد البيئية، والأمثلة على ذلك كثيرة، فأفراد ( البيجا) وهي قبيلة في شرق السودان، قاوموا الجرارات الميكانيكية التي استخدمتها الحكومة في حرث أراضـــي منطــقة ( طوكو)، لاعتقادهم أنها تفسد الأرض، وتسبب في تقليل رطوبتها. وموقف الهندوس من الأبقار وتقديسهم لها، يقف حائلاً دون قبول أي نمط ثقافي جديد خاص بتحسين استغلال هذه الثروة الحيوانية التي كان من الممكن أن تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد الهندي.

ومن الأمور الضارة بالتوازن البيئي ذلك الاعتقاد الخاطىء بأن طائر البوم نذير شؤم، في حين أن البومة تصطاد في كل ليلة مابين 3 إلى 4 فئران، فهي عامل من عوامل التوازن البيئي، كما أن العناكب التي لايرتاح الإنسان إليها، تصطاد من الحشرات الضارة سنوياً ما يزيد على وزن ثلاثة ملايين رطل، ولو اختفت لفتكت الحشرات بمقومات هذاالكوكب فتكاً ذريعاً.

وكما أن للمعتقدات دوراً مهماً في إعاقة التنمية وإهدارالموارد، فإن للاتجاهات والقيم السائدة في المجتمع نفس الدور في إعاقة التنمية. فبدلاً من تعظيم تنمية المحافظة على مصادر الملكية العامة والمال العام، نجد سيادة اللامبالاة والاتكالية، وتدل الأمثال السائدة في التراث الشعبي على هذه الاتجاهات مثل قولهم :

" أردب للحكومة ما تحضرشي  كيله " أي وزنه.

" أنا أخذت من مال الحكومة، هو أنا أخذت من مال حد منكم؟"

"بعيد عن أرضي بقيراط واقطع".

كما تلعب القيم المتعلقة بالنظرة الدونية للمرأة، جزءاً أساساً من تفكير كثير من القرويين خاصة في المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة الأمية الأبجدية، وتدل أقوالهم الشعبية على ذلك مثل قولهم: " لا تأمن الشمس إذا ولت، ولا للخيل إذا وطت، ولا للمرأة إذا صلت"،"عمر المرة ( المرأة) ما تربي طور ( ثور) ويحرث".

وتستطيع برامج التربية البيئية والسكانية أن تناقش هذه الاتجاهات الخاطئة في ضوء نسيج الحياه الثقافية والاقتصادية الحديثة لتثبت خطأها وعدم مسايرتها لطبيعة العصر، ومن هنا نسعى إلى حل المشكلات البيئية والاهتمام بالإنسان محور التنمية ومنفذها وهدفها وغايتها.

وقد دعا الإسلام إلى تجديد البيئة الثقافية، حيث رفض التقليد والتبعية. قال تعالى :

{ قَالُواْ حَسْبُنَا مَآ وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءنَا } (سورة المائدة، الآية: 104).

{ وَقَالُواْ رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا وَكُبَرَآءنَا فَأَضَلَونَا السًّبِيلاَ } (سورة الأحزاب، الآية: 67).

وقد رغب الإسلام في قول الصدق والبعد عن الرياء، فقال تعالى :

{ يُرَآءُونَ النَّاس وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً } (سورة النساء، الآية : 142)..

كما نهى الإسلام عن التطير، فعن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّهص: : (لاعدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟  قال : كلمة طيبة) متفق عليه.

كما دعا الإسلام إلى محاربة الأمية، فقد ذكر ابن سعد عن عامر الشعبي قال : >أسر رسول الله، ص: ، يوم بدر سبعين أسيراً، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء، دفع إليه عشرة  غلمان من غلمان المدينة فعلمهم، فإذا (حذقوا) فهو فداؤهم<. وذكر أن زيد بن ثابت أحد كتاب الوحي كان ممن علمه أسرى قريش، ومعنى هذا أن خطة النبيص:  لم تكن قائمة على مجرد ( فك الخط) كما يقولون، بل لابد من درجة ( الحذق) والإتقان حتى لاينسى، ويرتد إلى الأمية من جديد، ولم يقف حث النبي ص: على تعلم الكتابة عند الرجال فقط، بل شمل النساء أيضاً، فقد علمت الشفاء بنت عبد اللَّه، أم المؤمنين حفصة بنت عمر، الكتابة.

5. النظام السياسي:

ويقصد به كيفية إدارة المجتمع لمؤسساته التي تنقل آراء القيادة السياسية للقاعدة الشعبية، ومتطلبات القاعدة الشعبية للقيادة. وتختلف الأنظـمة السياسية من ملكية إلى جمهورية، ومما لاشك فيه أن للنظام السياسي أبلغ الآثار على النظام البيئي، فقد يشعل الحروب التي تدمر البيئة، وتهدر مواردها، وتقضي على القوى البشرية وتبدد قواها، وقد يسمح بدفن النفايات الذرية في أراضيه، فيعمل على تدمير بيئته الطبيعية بل البيئة العالمية حاضراً ومستقبلاً. وقد دعى الإسلام إلى الشورى وأخذ رأي الجماعة، وعدم استبداد الحاكم برأيه، بل ومحاسبته، كما كان يتم في عهد الخليفة العادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومحاسبته لولاة الأقاليم وتطبيقه مبدأ : من أين لك هذا؟  كذلك في عهد الخليفة عمر بن العزيز الذي رد أموال  بني أمية إلى بيت مال المسلمين.

د) كيفية حدوث المشكلات البيئية :

تتفاعل النظم الحضارية بأقسامها الفرعية، مع النظم الفرعية للبيئة الطبيعية، عبر سلسلة أو شبكة معقدة من تدفقات المادة والطاقة، ويترتب على التفاعل المستمر نتائج إيجابية وسلبية، أو مايعرف باسم الأخطار البيئية، التي يسعى الإنسان جاهداً إلى الاستجابة  لها والتوافق معها، واتخاذ قرارات بيئية بشأنها، كما يتضح ذلك من الشكل التالي (رقم 1) الذي يوضح النظام البيئي وعلاقاته الوظيفية ونتائجها.

وإذا لم يتدخل الإنسان في عناصر النظام البيئي الطبيعي، اتسم بالاستقرار والتوازن، حيث يؤثر كل كائن حي داخل النظام البيئي في حياة الكائنات الأخرى ويتأثر بها، وإذا لم تتعرض هذه الكائنات الحية لعوامل جديدة أو طارئة على النظام البيئي، فإنها تقيم فيما بينها توازناً طبيعياً بيولوجياً، يحتفظ فيه كل نوع بتوزيع عدد ثابت تقريباً، إذ يحد من التزايد اللانهائي لأفراد أي نوع من الكائنات في النظام البيئي، أو طغيانه وتفوقه على غيره من الأنواع، عوامل متعددة، منها وجود أعداء طبيعيين، أو منافسين على الغذاء المحدود، أو نقص الموارد أو المساحة المتاحة لتكاثره وانتشاره.

ويمكن القول إن عناصر النظام البيئي الطبيعي تتضمن عمليات متشابكة ومترابطة، تتميز بالعديد من المسارات، والتي تؤدي إلى تغيير معدلات نمو الجماعات الحية، وتصل بها إلى حالة مستقرة من التوازن في إطار النظام ككل.

لكن الإنسان لم يترك النظم البيئية ثابتة، بل استغلها بطريقة غير عقلانية، فنجده على سبيل المثال تفاعل بنـظامه التكـنولوجي مـع النظـام البيـــئي مع النظام الاقتصادي لرغبته في زيادة رقعة الأراضي الزراعية، مــــــــــع النظام الاجتماعي لرغبته في توفير فرص عمل  للسكان المتزايد عددهم ورفع مسـتوى معيشـتهما، مع النظام السياسي الذي حاول كسر الاحتكارات العالمية، وتحدي النظم الاستعمارية. مثال : إقامة سد على نهر النيل، وهو السد العالي في مصر، فمن نتائجه الإيجابية :

1. تحول أراضي الحياض إلى ري دائم.

2. توفير كهرباء لإنارة القرى في الوادي والدلتا، والتوسع في حركة التصنيع.

3. زيادة مساحة الأراضي التي تزرع أرز اً.

4. التخزين المستمر للمياه، وعدم تعرض البلاد لخطر الفيضانات المرتفعة أو الشحيحة.

لكن من نتائجه السلبية :

1. زيادة نحر البحر المتوسط لشمال الدلتا.

2. زيادة النحر لنهر النيل في الشواطىء اليمنى وزيادة الإرساب في الجوانب اليسرى.

3. حرمان التربة المصرية من الغرين الذي كان يعمل على تجديد خصوبتها باستمرار.

4. زيادة نسبة التصحر في الأراضي المصرية.

وكما حقق الإنسان في مصر نتائج إيجابية من مشروع بناء السد العالي، عليه أن يضع خططاً للقضاء على سلبياته، والتخفيف من حدتها.

مثال آخر :

تفاعل الإنسان بنظامه التكنولوجي مع النظام الحيوي ممثلاً في الغابات، وكذلك نظامه الاقتصادي     ممثلاً في رغبته في زيادة مساحة الأرض الزراعية على حساب مساحة الغابات مع النظام الاجتماعي برغبته في رفع مستوى معيشة سكانه وتوفير الغذاء لهم مع نظامه المائي ممثلاً في رغبته في استغلال ثروته المائية، فقام بقطع الغابات، وترتب على ذلك نتائج إيجابية وسلبية، فمن النتائج الإيجابية: توفير مساحة من أراضي الغابة للزراعة.

ومن النتائج السلبية :

1. تفكك التربة وسهولة انجرافها.

2. مضاعفة الرواسب  التي تحملها مياه الأنهار في مناطق القطع بمقدار سبعة آلاف مرة عما كانت عليه قبل عمليات القطع الجائر.

3. أدى ارتفاع حمولة الرواسب في الأنهار إلى تدمير أماكن تكاثر الأسماك.

4. تكرار حوادث الفيضانات العنيفة على جانب النهر.

5. تكرار حدوث الانهيارات الأرضية.

6. زيادة التعرية المركزة في قنوات عميقة.

ومن ثم فإن الآثار البيئية الناجمة عن استثمار الغابة بصورة غير مخططة كانت ذات كلفة اقتصادية عالية، تفوق أحياناً عوائد قطع الأخشاب التي كانت تجنيها الشركات لو استمر التقييد.

ومن ثم وجب على الإنسان أن يضع مخططاً  للاستغلال المنظم للغابة، يتضمن خطة لقطع الأشجار، وزراعة أشجار بدلاً من التي تم قطعها.

مثال آخر :

من نتائج تفاعل الإنسان مع بيئته بنظامه التكنولوجي أنتج غاز الفلوروكربون الذي تفاعل مع النظام الجوي ممثلاً في طبقة الأوزون، ونتج عن هذا التفاعل، ما يعرف باسم ثقب الأوزون، الذي أدى إلى تآكل جزء كبير من طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الأشعة شديدة الحرارة من الوصول إليها، وأدى ذلك إلى ظاهرة الدفء الحراري وما يترتب على ذلك من ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، وذوبان الجليد ومن ثم ارتفاع مستوى مياه المحيطات والبحار وغرق الجزر والسواحل، ومن ثم وجب على  الإنسان أن يتخذ من الإجراءات ما يقلل انبعاث هذا الغاز وإيجاد وسائل بديلة لاستخدامه.

ـ ومما تجدر الإشارة إليه أن التفاعلات بين النظم البيئية، ليست بسهولة المنظومة المعروضة في الأمثلة السابقة، بل تتداخل وتتشابك عناصرها في علاقات معقدة، لدرجة أصبحت النظم البيئية وما يدور فيها، وكيف تتغير بمرور الزمن، موضوع تحد للعلماء، حيث إن ما يتم في الطبيعة على جانب كبير من التعقيد. ذلك أن النظام البيئي الحياتي يتكون من مئات الأنواع من الكائنات الحية يتأثر كل منها بمكونات النظام البيئي وعناصره، وغيره من الكائنات الحية الأخرى، وعلاوة على ذلك يتغير عدد ونوع الكائنات الحية، وتتغير بعض المكونات الطبيعية للبيئة يومياً وفصلياً مثل درجة الحرارة ورطوبة التربة وغيرها، لذلك فإن معالجة المشكلات البيئية تتطلب وضع برامج بحوث متطورة تقوم على توفير معلومات متكاملة وصحيحة.

ـ ويرتبط التوصل إلى حلول  للمشكلات البيئىة تتبع جذورها، وأقسامها الفرعية، والعلاقات المتشابكة والمتداخلة بينها، وأن تسير الحلول المقترحة لأنظمة البيئة الطبيعية جنباً إلى جنب مع الحلول المقترحة لأنظمة البيئة الحضارية.

الفصل الثاني

مفهوم التنمية المستدامة ومقوماتها وضوابطها

أولاً : الظروف التي أدت إلى ظهور فكرة التنمية المستدامة :

 نتج عن مشروعات التنمية التي يقوم بها الإنسان لتحسين حياته وتطويرها نحو الأفضل، واستخدامه لكل الموارد والوسائل والأدوات والمعرفة المتاحة، أن نفذ خططاً للتنمية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وأحدث كثيراً من الإنجازات والنجاحات، نذكر منها :

* زيادة معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي وزيادة في الاستهلاك.

* تحسن في مستويات المعيشة في العالم بشكل عام وارتفاع نصيب الفرد نسبياً من الناتج القومي الإجمالي.

* زيادة معدلات العمر المتوقع  للإنسان.

* نقص في معدلات وفيات الرضع والأطفال.

* تخلص العالم أو ( كاد) أن يتخلص من عدد الأوبئة.

* زيادة نسبة السكان الذين يتمتعون بمياه الشرب ووسائل الصرف الصحي.

* زيادة نسبة المتعلمين في مراحل التعليم.

* زادت عدد الأسر ذات السيارتين والمنزلين ... الخ.

لكننا نشهد على الجانب الأخر، إضراراً بالمحيط الحيوي :

1 ـ قطع الغابات، 2 ـ تدهور الأرض، 3 ـ التصحر ، 4 ـ المعدلات الخطيرة لفقد التنوع البيولوجي، 5ـ تخلخل الأوزون في طبقة الأستراتوسفير، 6 ـ مخاطر تغير المناخ،7ـ تعاظم تراكم كميات كبيرة من النفايات بما في ذلك والنفايات الخطرة، 8 ـ استنزاف المعادن، 9 ـ الإسراف في استهلاك المياه.

وإزاء هذه المشكلات والمخاطر البيئية، نظم المجتمع الدولي اجتماعاً حافلاً، وهو مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية عام 1992م والذي عقد في مدينة ريودي جانيرو بالبرازيل، حضره عدد من رؤساء الدول وأطلق عليه " مؤتمر قمة الأرض"، ولقد أصدر المؤتمر خطة عمل شاملة، سماها أجندة القرن الحادي والعشرين، وأقر صيغة  اتفاقية دولية  لصون التنوع الأحيائي  (البيولوجي )، واتفاقية دولية تتناول قضايا تغير المناخ، وإطار عمل لصون الغابات، وشكل لجنة من ممثلي الحكومات لوضع اتفاقية دولية لمكافحة التصحر ( تم وضع الاتفاقية عام 1994م). ولقد بدا المؤتمر وكأن العالم يجمع أمره على معالجة قضايا البيئة والتنمية حفاظاً على مستقبل الإنسان، وظهرت الفكرة الأساس التي بُنيت عليها أجنده القرن الحادي والعشرين وهي فكرة التنمية المستدامة.

ثانياً : مفهوم التنمية المستدامة :

كان الاعتقاد حتى بداية السبعينات من القرن الماضي، أن النمو الاقتصادي يقوم على حساب حماية البيئة، وأنه لايمكن الجمع بين هذين التوجهين، وأن أي تحسين في نوعية البيئة يعني إعاقة النمو الاقتصادي، كما أن أي نمو اقتصادي يعني القضاء على البيئة وتدميرها.

ولقد ظهرت عدة تعريفات واستخدامات للتنمية المستدامة، فالبعض يتعامل مع التنمية المستدامة كرؤية أخلاقية تناسب اهتمامات وأولويات النظام العالي الجديد، والبعض يرى أن التنمية المستدامة نموذج تنموي وبديل عن النموذج الصناعي الرأسمالي، أو ربما أسلوباً لإصلاح أخطاء وتعثرات هذا النموذج في علاقته بالبيئة. ولكن هناك من يتعامل مع التنمية المستدامة كقضية إدارية وفنية بحتة للتدليل على حاجة المجتمعات الإنسانية المتقدمة والنامية إلى إدارة بيئية واعية وتخطيط جديد لاستغلال الموارد.

إن هذا الخلط بين التعريف والشروط والمتطلبات هي أكثر ما يميز أدبيات التنمية المستدامة في المرحلة الراهنة، ولقد حاول تقرير الموارد العالمية الذي نشر عام 1992م والذي خُصص بكامله لموضوع التنمية المستدامة، توضيح هذا الخلط، وذلك بإجراء مسح شامل لهذا المفهوم، واستطاع التقرير حصر عشرين تعريفاً واسع التداول للتنمية المستدامة، وقد حاول التقرير توزيع هذه التعريفات إلى أربع مجموعات هي : التعريفات الاقتصادية، والتعريفات البيئية، والتعريفات الاجتماعية والإنسانية، والتعريفات التقنية والإدارية.

أ) فاقتصادياً : وبالنسبة للدول الصناعية في الشمال، فإن التنمية المستدامة تعني إجراء خفض عميق ومتواصل في استهلاك هذه الدول من الطاقة والموارد الطبيعية وإحداث تحولات جذرية في الأنماط الحياتية السائدة :

أما بالنسبة للدول الفقيرة : فالتنمية المستدامة تعني توظيف الموارد من أجل رفع المستوى المعيشي للسكان الأكثر فقراً في الجنوب.

ب) أما على الصعيد الإنساني والاجتماعي : فإن التنمية المستدامة تسعى إلى تحقيق الاستقرار في النمو السكاني، ووقف تدفق الأفراد إلى المدن، وذلك من خلال تطوير مستوى الخدمات الصحية والتعليمية في الأرياف وتحقيق أكبر قدر من المشاركة الشعبية في التخطيط  للتنمية.

ج) وأما على الصعيد البيئي : فإن التنمية المستدامة هي الاستخدام الأمثل للأرض الزراعية، والموارد المائية في العالم، بما يؤدي إلى مضاعفة المساحة الخضراء على سطح الكرة الأرضية.

د) وأما على الصعيد التقني والإداري : فإن التنمية المستدامة هي التنمية التي تنقل المجتمع إلى عصر الصناعات والتقنيات النظيفة التي تستخدم أقل قدر ممكن من الطاقة والموارد، وتُنتج الحد الأدنى من الغازات والملوثات التي لا تؤدي إلى رفع درجة حرارة سطح الأرض والضارة بالأوزون.

يقول تقرير الموارد الطبيعية إن القاسم المشترك لهذه التعريفات الاقتصادية والبيئية والإنسانية والتقنية هي أن التنمية لكي تكون مستدامة يجب :

أولاً : ألاَّ تتجاهل الضوابط والمحددات البيئية.

ثانياً : ألاَّ تؤدي إلى دمار واستنزاف الموارد الطبيعية.

ثالثاً : أن تؤدي إلى تطوير الموارد البشرية ( المسكن ـ الصحة ـ مستوى البيئة ـ أوضاع المرأة ـ الديمقراطية ـ حقوق الإنسان).

رابعاً : أن تحدث تحولات في القاعدة الصناعية السائدة.

إن التنمية المستدامة هي المبدأ القائل بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن لا تدمر البيئة، وأن تتم عملية التنمية ضمن حدود وإمكانات العناصر البيئية، وضمن الأطر التي يضعها علم البيئة بمعناه الواسع، وذلك من خلال دراسة وفهم العلاقات المتبادلة بين الإنسان ونشاطاته المختلفة، وبين البيئة التي يعيش فيها وما يحكمها من قوانين فيزيائية وكيميائية.

وتهدف التنمية المستدامة إلى تلبية احتياجات الحاضر دون الإخلال بالقدرة على تلبية احتياجات المستقبل. وترتكز فلسفة التنمية المستدامة على أن الاهتمام بالبيئة وما تحتويه من موارد طبيعية هو أساس التنمية الاقتصادية والصحية والثقافية وغيرها، وهذا يتطلب إعداد خطط تنموية تهتم بالمشروعات الحالية وتهتم بآثارها البعيدة على البيئة وعلى الناس في المستقبل، وبذلك تستمر التنمية. وتلك الخطط لا تشمل فقط دور الدول والمؤسسات في المشروعات التي تقيمها وإنما تشتمل  أيضاً على دور الفرد في المجتمع، لأن الفرد أساس المجتمع.

ويشير مفهوم التنمية المستدامة إلى قيمة أخلاقية في غاية الأهمية، وهذه القيمة هي المساواة بين الأجيال التي أصبحت أحد أهداف الإدارة البيئية، كما نبه كل دولة إلى أهمية استثمار مواردها.

ثالثاً : مقومات وأسس التنمية المستدامة :

أ) الإنسان : وهو المسؤول وحامل الأمانة، وتوضح أجندة القرن الحادي والعشرين أنه نتيجة للنمو السريع في عدد سكان العالم فإن أنماط استهلاكهم تتزايد على الأرض والماء والطاقة والموارد الطبيعية الأخرى، لقد كان عدد سكان العالم أقل من 5,5 بليون عام 1993م ومن المتوقع أن يصل إلى 8 بليون عام 2025 وينبغي على استراتيجيات التنمية أن تتعامل مع النمو السكاني، وصحة النظام البيئي، ووسائل التكنولوجيا واستخداماتها المتقدمة، كما ينبغي أن تتضمن الأهداف الأولية للتنمية محاربة الفقر، وتأمين الحياة البشرية، والسعي لنوعية حياة جديدة متضمنة تحسين أوضاع المرأة، وتأمين الحاجات الأساس مثل الغذاء والمأوى، والخدمات الأساس مثل التعليم وصحة الأسرة، وإعادة تشجير الغابات، وتوفير فرص العمل، والرعاية البيئية.

كما ينبغي أن تكون اهتمامات السكان جزءاً من استراتيجيات التنمية المستدامة، ويجب على الدول أن تحدد لها أهدافاً وبرامج سكانية، واضعة في الاعتبار أن التكوين الهرمي للسكان والذي تزداد فيه نسبة صغار السن، سوف يخلق في المستقبل القريب مطالب وضغوطاً على الموارد.

وتطالب أجندة القرن الحادي والعشرين من الدول أن يتعرفوا على القدرات الاحتمالية لمواردهم، مع إعطاء اهتمام خاص للموارد الحرجة مثل المياه والأرض، والعوامل البيئية الأخرى، كصحة النظام البيئي، والتنوع الأحيائي  (والقدرة الاحتمالية تعني مقدرة الموارد على إعالة وتقديم احتياجات البشر بدون إهدارها أو استنزافها )، كما تنبه أجندة القرن الحادي والعشرين إلى أن العالم يحتاج إلى دراسات جادة للتنبؤ بالنتائج المحتملة للأنشطة البشرية، متضمنة اتجاهات السكان، ونصيب كل فرد منهم من الناتج الإجمالي للدخل، وتوزيع الثروة، والهجرات المنتظرة نتيجة للتغيير المناخي.

وفي عام 2001 حسب إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان، بلغ عدد سكان دول العالم الإسلامي الأعضاء في  منظمة المؤتمر الإسلامي نحو مليار و144 مليون نسمة، وهم يشكلون نحو %18 من جملة عدد سكان للعالم في نفس السنة، وما يوازي عدد سكان المناطق الأكثر نمواً في العالم ( الدول المتقدمة) والتي يبلغ عدد سكانها نحو مليار و193 مليون نسمة، بينما يشكلون نحو %23,3 من سكان المناطق الأقل نمواً، والتي يشكل سكانها نحو أربعة مليارات و 940 مليون نسمة  ونتيجة لارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لمعظم الدول الأعضاء في  منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تبلغ ما بين 2,5 و%3 سنوياً (40 دولة من 48 دولة) وأيضاً ارتفاع نسبة صغار السن أقل من 15 سنة، وسيادة النمط الزراعي في  معظم اقتصاديات هذه الدول، فإن الإسقاطات السكانية لها مرتفعة، ويتوقع أن يصل عدد سكان هذه الدول عام 2025 مليار و699 مليون نسمة، وفي 2050 مليارين و227 مليون نسمة.

ويقدر الخبراء  أنه من الخطأ اعتبار الزيادة السريعة في عدد السكان نعمة مطلقة، أو نقمة مطلقة، فبالتحليل الموضوعي نجد أن تأثير الزيادة يختلف من بلد لآخر حسب الظروف المحلية، واحتياجاته، وموارده وتطلعاته، فهناك دول تحتاج إلى الزيادة السكانية، وعندها من الموارد الكافية لاستيعابها، وهناك بلاد قد تؤدي الزيادة السكانية فيها إلى آثار سلبية، لقلة الموارد. والمهم أن يكون للدولة سياسة سكانية ولايترك النمو السكاني فيها بدون تخطيط، ولكن يجب أن يكون ذلك في إطار ( لانقصان لعدد المسلمين).

ب) الطبيعة :

المحيط الحيوي، وهو خزانة الموارد المجددة وغير المتجددة.

الموارد المتجددة :

مثل الغابات ـ مصائد الأسماك ـ المراعي ـ المزارع، ويعد الإنسان عنصراً رئيساً من عناصر استهلاك تلك الموارد، وإنتاج الموارد السابقة هو إنتاج متجدد ما استمرت صحة النظام البيئي.

الموارد غير المتجددة :

وهي مواد مختزنة في باطن الأرض تكونت  وتجمعت في عصور سابقة وسحيقة، ما يؤخذ منها لايعوض ولايتجدد، وتضم هذه المجموعة خامات البترول  والفحم والغاز الطبيعي ورواسب المعادن  وتكوينات المحاجر غالبية المياه الجوفية. وترشيد وتنمية الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة نقيض استنزافها، أي تجاوز قدرة النظم البيئية على العطاء، وهذا الترشيد هو التنمية المتواصلة أو المستدامة أو المطردة. وحالياً في عهد الثورة العلمية الثالثة بعد أن كانت مقومات الاقتصاد في عهد الثورة الصناعية هي الأرض بمواردها: العمالة ورأس المال والآلات، أصبحت حالياً في عهد الثورة الثالثة هي الفكر والعلم والابتكار ." فقد أصبحنا نتكلم الآن عن زراعة بلا زراع وبلا مزارع"، وعلى سبيل المثال ففي مادة الثوماتين Thaumatin وهي موجودة في فاكهة إحدى النباتات الأفريقية والتي تعادل حلاوتها حلاوة السكر مائة ألف مرة، إستطاع العلماء عن طريق تكنولوجيا جديدة هي فصل أو تقطيع الجينات Gene Splicing Tecniques أن يفصلوا الجين الخاص بهذه المادة، وأن ينتجوه معملياً بكميات تجارية في معامل بكتيرية، وتستطيع أن تتصور حجم هذه الزراعة العلمية المعملية على إنتاج قصب السكر والبنجر في مختلف أنحاء العالم، وأثر ذلك على  العمالة الموجودة حالياً في المزارع، وأثر ذلك على الأرض التي كانت تستغل في هذا الشأن.

ومادة الفانيليا Vanilia أيضاً والتي تبلغ قيمة إنتاجها السنوي عالمياً ثلاثة بلايين دولار ويزيد إنتاجها كل سنة بنسبة تصل إلى %3، وتكسب معظم الأغذية الطعم والرائحة، استطاع العلماء أن يفصلوا الجين الخاص بالفانيليا، واستطاعوا أن ينتجوه بكميات تجارية، في حمامات بكتيرية، عن طريق جزء من الهندسة الوراثية بطريقة نقل الجينات، وهذا يعني أننا نتجه نحو عالم فيه زراعة بلا زراع وبلا مزارع، وصناعة تدخل فيها المعرفة والعلوم، بدلاً من النفط، والأيدي العاملة، والأرض والمواد الخام.

ج) التكنولوجيا :

لقد أصبح التطور التكنولوجي مترسباً في نسيج المجتمعات وفي حياة الناس اليومية، وذلك لأن الكثير من المشاكل التي تنشأ عن التقنية ليس لها حل، إلا البحث عن تقنيات تصوب الأخطاء.

قد تبدو بعض الوسائل التكنولوجية عظيمة النفع أول الأمر، بريئة الضرر، ومع تطور المعارف العلمية والتكنولوجية تبين أن لها أضراراً جسيمة خفيت علينا مثل مركبات الفريون ( الكلوروفلوروكربون) والتي اكتشفت عام 1928م، وطبقت عام 1930م، كبديل لمركبات الأمونيا وثاني أكسيد الكبريت والتي كانت تستخدم في صناعة التبريد، وسرعان ما اكتشفت لها استعمالات عديدة باعتبارها مركبات آمنة، وبعد خمسين عاماً علمنا أن هذه المركبات قد تكون سبباً في واحدة من قضيا البيئة العالمية وهي تضر بطبقة الأوزون في الأستراتوسفير.

سادت في الزمن الحديث فكرة الحلول التكنولوجية لسائر المشكلات الصناعية والبيئية والاجتماعية، ولكن التجربة أظهرت أن المشاكل البيئية ناتجة عن التفاعلات بين الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا، وأن الحلول المؤقتة قد تكون عبر الوسائل التكنولوجية، والحل الشامل لهذا الخلل يعتمد على إصلاح التفاعل وإيجاد طرائق تتصل بالعناصر الثلاثة لتحقيق الاتزان في تفاعلاتها، والسبيل إلى ذلك حزمة متكاملة تجمع بين الوسائل التقنية والوسائل الاقتصادية والوسائل الاجتماعية، بما في ذلك التشريعات والإجراءات الإدارية، كما أن استخدام بعض هذه الحزمة دون جملة العناصر يعد  قصوراً لايؤدي إلى الطريق الناجح .

رابعاً : ضوابط التنمية المستدامة بالنسبة للنظم البيئية الطبيعية :

قدمت وثيقة الاستراتيجية العالمية لصون الطبيعة 1980م، وتقرير لجنة الأمم المتحدة  للبيئة والتنمية 1978م وصورتها المعدلة والتي كانت حجر الزاوية في مداولات مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية 1992،  ثلاثة مقاصد أساس فيما يتصل بالنظم البيئية الطبيعية وهي:

ـ المحافظة على العمليات البيئية الأساس التي هي أساس صحة النظم والتي تعتمد عليها الأحياء ( خصوبة التربة ـ تدوير عناصر الغذاء ـ نقاء الماء ـ نقاء الهواء).

ـ صيانة الموارد الوراثية أي المكونات الوراثية الموجودة في كائنات العالم، (الأنواع والسلالات من نبات وحيوان)، وهو التنوع الذي تعتمد عليه برامج تربية الأنواع واستنباط السلالات المحسنة وتعتمد عليها فرص استكشاف مواد جديدة تدخل في التطور التكنولوجي بصفة عامة.

تأمين الاستخدام المتواصل للأنواع ( الكائنات الحية) والنظم البيئية وخاصة مصايد الأسماك وغيرها من الكائنات البرية والغابات، أي لا يكون الحصاد أكبر من قدرة النظام على الإنتاج والعطاء.

وهذه الضوابط تنطبق على النظم الطبيعية وعلى النظم التي يديرها الإنسان، وتقضي التنمية المستدامة أن يراعي الإنسان هذه الضوابط، ويراعي أهمية صون النظام البيئي، بحيث يصبح صحيحاً قادراً على الإنتاج والعطاء، بأن يخطط معدلات استهلاكه في الحدود المرعية ليحافظ على التوازن بين الإنسان (عدداً واستهلاكاً) وبين طاقة النظم البيئية وقدرتها على التحمل...وهذا وجه رئيس من أوجه الضبط الاجتماعي.

خامساً : ضوابط التنمية المستدامة بالنسبة للمحيط الاجتماعي      " التنمية البشرية المستدامة"

تقوم التنمية البشرية المستدامة على أربعة عناصر الهدف منها عملية توسيع اختيارات البشر.

أ) الإنتاجية productivity :

وهي تعني توفير الظروف للبشر حتى يتمكنوا من رفع وتحسين إنتاجيتهم، وذلك بإشراكهم بشكل فعال في عملية توليد الدخل وفي العمالة بأجر.

ب) الإنصاف والعدالة الاجتماعية Social Equality :

وهي تعني تساوي البشر في الحصول على نفس الفرص، ولبلوغ ذلك لابد من رفع الحواجز التي تحول دون اعتبار اشتراك جميع مكونات المجتمع وفي مختلف الفرص المؤدية إلى التنمية الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية والثقافية، بحيث تكون متاحة للجميع.

ج) الاستدامة Sustainability

وتحتوي على ضمان حصول البشر على فرص التنمية دون نسيان الأجيال المقبلة، وهذا يعني ضرورة الأخذ بمبدإ التضامن بين الأجيال عند رسم السياسات التنموية، وهذا مايحتم " مأسسة" التنمية في مفهومها الشامل من خلال تعزيز المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بما يجعلها تساهم في ديمومة التنمية.

د) التمكين Empowerment

على التنمية أن تكون من صنع البشر، لا من أجلهم فحسب، وهذا ما يحتم مشاركتهم مشاركة تامة في صنع القرارات والسياسات المتعلقة بحياتهم وفي تنفيذها إلى حيز الواقع، وحتى نضمن لتلك المشاركة الفعالية والنجاح فلابد من تعزيز قدرات البشر على مختلف المستويات والمجالات بهدف سيطرة كل فرد في المجتمع على مصيره.

أن تتضمن سياسات التنمية المتواصلة، أهدافاً تتصل بالسكان: أعدادهم وتوزيعهم وخصائصهم، ويكون القصد هو تحقيق التوازن على المدى البعيد بين الموارد وحاجات الناس.

ـ أن يكون هدف التعليم والتدريب وآلياته ومؤسساته هو تنمية الموارد البشرية، أي يعمل على تحويل الرجال والنساء إلى ثروات للمجتمع، ولايتم كما هو حاصل في كثير من الأحوال، تحويل النساء إلى عبء اجتماعي، وهنا تبرز وظائف جديدة لمؤسسات التعليم والتثقيف الوطني وعلى رأسها وسائل الإعلام لأنها قادرة على :

1. إتاحة البيانات والمعارف  للناس.

2. نشر الوعي بقضايا المجتمع عامة وقضايا البيئة والتنمية خاصة.

ـ بيان الوسائل والقنوات التي يسهم عن طريقها الفرد في سعي مجتمعه لتحقيق التنمية المتواصلة، وتجاوز الأضرار البيئية التي تهدد الحاضر والمستقبل. ولقد كان المدخل إلى التنمية الناجحة في اليابان ودول النمور الأسيوية التعليم والتدريب الرشيد.

ـ أن تكون خطط التنمية للموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة في إطار المدى الزمني الممتد الذي يراعي مصالح الأجيال التالية مع الحرص على كفاية المتطلبات الأساس والمشروعة للجيل الحاضر، وهذه مسألة تتصل بالأخلاق الاجتماعية.

ـ تقوم التنمية المتواصلة على العدل الاجتماعي ومن ثم تتضمن خططها الوسائل والظروف التي تحقق الفرص المتكافئة للرجال والنساء، وتحقق مشاركة الناس مشاركة إيجابية وفعالة في مراحل التخطيط، ووضع برامج التنفيذ، ومتابعة إجراءاته.

ـ تستهدف التنمية المتواصلة استخدام الأرض ( الحيز الوطني) أفضل استخدام للمحيط الحيوي، وتقليل التعارض بين الاستخدامات المختلفة، وأن تلتزم في كل هذا بأولويات يتفق عليها المجتمع ويتقبلها.

ـ أن تتضمن المؤسسات العاملة في تنمية الموارد الطبيعية عناصر لإدارة المخاطر البيئية، نذكر منها على سبيل المثال نوبات الجفاف وحوادث السيول، وأن تعتمد هذه القطاعات في عملها على أجهزة الرصد والإنذار المبكر، والتنظيم الاجتماعي لمقابلة الكوارث وآليات التعويض  والغوث للمصابين والمتضررين.

ـ أن تعمل المؤسسات الوطنية على دعم التعاون الإقليمي في تنمية الموارد المشتركة ( أحواض الأنهار الدولية ـ البحار الإقليمية ـ مصادر المياه الجوفية الإقليمية ) والتعاون على درء المخاطر البيئية ذات المدى الإقليمي ( التلوث العابر للحدود) ودعم التعاون الإقليمي في القضايا ذات المدى العالمي ( تغير المناخ ـ تخلخل طبقات الأوزون ـ تدهور التنوع الإحيائي ... إلخ) أو بمعنى آخر أن تتقبل  السياسات الوطنية فكرة التعاون العالمي، وتسهم في الجهود العالمية لصون بيئة الكرة الأرضية.

الفصل الثالث

أسس التنمية المستدامة من المنظور الإسلامي ومقوماتها

أولا ً: أسس التنمية المستدامة ومقوماتها :

1. ورد مضمون التنمية تحت مصطلح العمارة والتعمير، يقول الله سبحانه وتعالى : {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } (سورة هود، الآية: 61).

ويقول علماء التفسير إن الآية الكريمة تحث على طلب العمارة، والطلب المطلق من الله يكون على سبيل الوجوب، وفي هذه الآية دلالة على وجوب عمارة الأرض، قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لنائبه على مصر "ليكن نظرك في عمارة الأرض، أبلغ من نظرك في استخراج الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد.

وهناك مصطلح آخر هو التمكين : قال الله تعالى : ژولَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ في الأرض وجَعَلْنَا لكم فيها مَعَايِشَ ي (سورة الأعراف، الآية: 10).

يرى علماء الفقه أن للتمكين معنيين : الأول : اتخاذ قرار ومكان وموطن، الثاني : السيطرة والقدرة على التحكم، وهو يعني أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ للإنسان وضع السيطرة على الطبيعة، وطلب منا تحقيق تلك السيطرة، أو بتعبير آخر طلب منا تحقيق التكنولوجيا على اعتبار أن التكنولوجيا هي أداة تسخير الوسائل العلمية للسيطرة على الظروف الطبيعية وتوجيهها لصالح الإنسان.

2. اهتم التصور الإسلامي للتنمية المستدامة بالإنسان فهو صانع التنمية والمستفيد الأول من عوائدها، وهو جزء من الكون، مخلوق من طين الأرض، وفيه نفحة علوية من روح الله، عنصران ممتزجان في كيان كلي، وقد عقدت له الخلافة في الأرض ليعمرها ويرقيها وفق منهج الله، ويمكن تأصيل هذه العلاقة من عدة جوانب :

1-2  كرم الله الإنسان وجعله مفضلا ًعلى كثير من مخلوقاته، ويقول الله  سبحانه وتعالى : {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } (سورة الإسراء، الآية: 70).

2-2 الإنسان ليس مستهلكاً فقط، بل هو منتج لنفسه ولغيره، بل طالبنا الإسلام بالإتقان والإحسان في العمل.

2-3 إن الله قد أودع في الانسان طاقات كثيرة، منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو باطن خفي، ليستخدمها في عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها.

3. اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يسخر للإنسان كل ما في الكون من مخلوقاته ونعمه (الماء ـ الهواء ـ الحيوان ـ النبات ـ الجماد ـ السماء ـ الأرض ـ الشمس ـ القمر ـ الليل ـ النهار .. الخ)، وصدق الله العظيم إذ يقول في قرآنه الكريـم { ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } (سورة لقمان، الآية : 20)  وهو يعني أن للإنسان حقاً على تلك الموارد، والبحث عنها والانتفاع بها في بناء الحياة وعمارة الكون وفق منهج الله.

وتحمل الإنسان المسؤولية عن هذا الكون، تلك المسؤولية التي هي جزء من فطرته، هي في جملتها صون للتوازن البيئي على كوكب الأرض، فعندما عصا قوم نوح نبيهم، وحقت عليهم كلمة الله أن يبتلعهم الطوفان، تلقى نوح من ربه، أن يأخذ في السفينة من كل زوجين اثنين قال تعالى : { فاسلك فيها من كل زوجين اثنين}  (سورة المؤمنون، الآية: 27).

ففلك نوح هو الوسيلة الوحيدة للنجاة، أي البقاء، والبقاء هو حفظ النوع. فقد أمر الله سيدنا نوحاً أن يحمل معه من الكائنات الحية الأخرى من كل نوع زوجين اثنين، وهي الوحدة القادرة على حفظ النوع وتحقيق بقائه. كذلك أمر الله نوحاً أن يحمل معه أهله أي عناصر الجنس البشري التي ستحفظ نوعه وتحقق بقاءه، فنجاة سيدنا نوح وحده لا تعني بقاء النوع. يعني هذا أن القاعدة هي أن للكائنات جميعاً ـ ومنها الإنسان ـ حق البقاء لأن الجميع شركاء في الأرض، التي شاءت إرادة الله أن تكون مهداً للحياة، لأن الله  لم يخلق الكائنات عبثاً بلا غاية، ذلك لأن كل كائن من الميكروب الدقيق إلى الحيوان الكبير له دور في حفظ توازن الحياة.

ويعني هذا أن نوحاً ـ قائد الفلك ـ هو المسؤول عن سلامة الكائنات جميعاً، لا فرق بين نوع ونوع، وأنه المسؤول عن إتاحة فرصة البقاء. هذه هي الأمانة التي حملها، والخلافة التي كرمه الله بها، ويقتضي ذلك منه حسن إدارتها بأن :

ـ يحفظ توازنها ونواميس النظم البيئية.

ـ يحقق للأنواع جميعاً البقاء.

ـ يأخذ من مواردها ما يكفي لحاجته المشروعة، ولا يستنزف مواردها بالإسراف الذي نهى عنه الإسلام ونهت عن الأديان  كافة.

4 .  رغم سلطان الإنسان على موارد البيئة التي استخلفه الله فيها لتحقيق مصلحته، إلا أن ملكيته لها ليست مطلقة ويجب ألاَّ تؤدي إلى الإضرار بالغير   فموارد البيئة نعمة من نعم الله على الإنسان، وأثر من آثار رحمته بعباده، ينبغي أن تقابل بالشكر والحمد، وشكرها هو الإيمان بمصدرها واستعمالها فيما ينفع الأرض وعمارة الكون، وليس الإساءة لغيره. فمن يستخدم المبيدات الكيميائية لحماية محصولاته الزراعية أو يدير مصنعاً تصدر عنه أصوات مزعجة، أو ينفث أبخرة وغازات سامة، يجب منعه من ذلك، أو إلزامه باتخاذ التدابير التي تكفل عدم الإضرار بالغير، فجلبه مصلحة لنفسه لا ينبغي أن تكون على حساب المضار التي تلحق بغيره، ومن القواعد الفقهية الضرر الأكبر يدفع الضرر الأخف، وفي الأمثلة السابقة إذا كان يترتب على خطر استخدام المبيدات نقص في المحصول، أو الالتزام بالحد من نشاط المصنع، مما يسبب ضرراً أخف ينبغي تحمله في سبيل منع الأضرار الصحية وغيرها التي تلحق بمجموع الناس، أي أن حق الملكية في الإسلام مقيد بحدود الله وحقوق المجتمع، حتى أن انتزاع هذا الملك من صاحبه يجوز للمصلحة العامة على أن يعوض ثمنه بالمثل، ذلك لأن المال مال الله، وهومستخلف فيه، وبعبارة أخرى هو وكيل الجماعة في رعايته وتثميره وإنفاقه فإذا أساء التصرف في المال كان من حق الجماعة أن تغل يده، وبعض علماء المذهب المالكي يقولون إن سلطان الانسان لايكون المادة، وإنما محله منافعها فقط.ومما يؤكد ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل الناس مستخلفين في إدارة المال حيث قال سبحانه :

{ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } (سورة الحديد، الآية: 7).

{ وأتوهم من مال الله الذي آتاكم } (سورة النور ، الآية :33).

وحق الانتفاع بموارد البيئة دون حق الملكية، له محدودية زمنية، فقد قال سبحانه: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}(سورة البقرة، الآية: 36).

وتفيد تلك المحدودية الزمنية في ضبط سلوك الإنسان في تعامله مع موارد البيئة وثرواتها، ذلك أن تلك الثروات والموارد ليست ملكاً للجيل الحالي بل هي ملك للأجيال التالية، وهذا يقتضي الحفاظ عليها وصيانتها من الملوثات التي تضر بها، وعدم الإسراف والجور في استغلالها، حتى نورثها سليمة قادرة على الإنتاج للأجيال القادمة. وإذا كانت المبادئ التي تم عرضها تَهُمُّ بالدرجة الأولى الموارد البيئية التي تدخل في الحيازة والملك، فإنها تصدق كذلك بالنسبة للموارد البيئية التي لا يمكن حيازتها أو إحرازها كالهواء والأنهار والبحار والمناطق القطبية.

5. نص الإسلام على فكرة شتراك الإنسانية في الموارد الطبيعية، منذ أربعة عشر قرناً، فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى :

{ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شِرْبٍ محتَضَر } (سورة القمر، الآية: 28).

{ قال هذه ناقة لها شِرْبٌ ولكم شِرْبُ يومٍ معلوم } (سورة الشعراء، الآية: 155).

وجاء في السنة المطهرة أن الناس شركاء في ثلاث : "الماء والكلأ و النار" رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح، فلفظ الكلأ ذو معنى واسع، تشمل كل المزروعات التي تعيش عليها الكائنات الحية، وهي من الموارد الرئيسة للبيئة البرية، ولا يجوز لأحد أن يمنع غيره من الانتفاع بتلك الموارد، قال تعالى :

{ كلاًّ نُمِدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً }  ( سورة الإسراء، الآية :20 ).

 وقد أخذت الاتفاقات الدولية بهذا المبدأ، حق الانتفاع بموارد البيئة مكفول لكل البشر كما في اتفاقية الفضاء الخارجي (27 يناير 1967)، وقد تكلمت المادة الأولى منها عن فكرة التراث المشترك بخصوص المواد والثروات الموجودة في قاع البحار والمحيطات وباطن الأرض خارج حدود الولاية الوطنية  لكل دولة.

6. بما أن موادر الطبيعة تراث مشترك للانسانية فيجب الالتزام بالآداب الإسلامية في تنميتها ودفع الضرر والفساد عنها، لأن تلك الموارد المشتركة بين بني البشر لها وظائف ثلاث :

الوظيفة الأولى : تعبدية وهي ذات شقين

الشق الأول : أنها تسبح بحمد خالقها وتسجد له، ودليل على قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث يقول {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُ} (سورة الحج، الاية : 18).

الشق الثاني : يخص الإنسان الذي سخرت لخدمته تلك الموارد، فهذه الأخيرة مجال لتأمل الإنسان وإعمال فكره حول مبدعها وخالقها، قال سبحانه وتعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأُولي الألباب  الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقِناَ عذابً الناري (سورة آل عمران، الآيتان : 191-190) والتعدي على البيئة أو استنزافها يعوق تلك الوظيفة التعبدية.

الوظيفة الثانية : جمالية ترفيهية، ذلك أن الله خلق موارد الطبيعة مختلفة الألوان والأشكال، لإدخال البهجة والسرور على نفس من استخلفه الله في عمارة الأرض، وصدق الله العظيم إذ يقول : { ألمْ تَرَ أن الله أنَزلَ من السماءِ ماءً فأخرجنا به ثمراتٍ مُّختلفاً ألوانُها ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ وحُمرُ مُختلفٌ ألوانها وغَراَبِيبُ سودٌ  ومن الناس والدواب والأنعام مُخْتَلِفٌ ألَوَانُه كذلك إنما يخشى اللَّهَ مِنَ عباده العُلماءُ إن الله عزيزٌ غفورٌ } (سورة فاطر ، الآيتان : 28-27).

الوظيفة الثالثة: حياتية معيشية، فكل فرد يستعمل موارد الطبيعية في تدبير طعامه وطعام أنعامه، ويتخذ منها ملبسه ومسكنه، ووسيلة انتقاله دون أن يتعدى على حق الغير، ومادام ذلك في حدود شرع الله.

7. الإسلام يحظر التعسف في استعمال موارد الطبيعة لتأثير ذلك على التوازن البيئي، فالرعي الجائر يؤدي إلى التصحر، واستخدام المبيدات الكيميائية لمقاومة الآفات الزراعية أدى إلى موت العديد من الطيور بتأثير تلك المبيدات وأدى إلى انقراض كثير من الحيوانات البرية والطيور كالبوم والثعالب التي كانت تتخذ من الفئران غذاء لها، فاختل التوازن بين الطرفين، وظهرت مشكلة الفئران وألحقت الضرر بالمزارع. وأدى التلوث إلى ظاهرة الأمطار الحمضية التي تعاني منها دول شمال غرب أوربا، حيث قضت الأمطار على 16 مليون فدان من الغابات في تسع دول أوربية.

8. دعا الإسلام إلى الوسطية أو الاعتدال في استغلال موادر البيئة، قال الله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً }  (سورة البقرة ، الآية : 143).

والأمة الوسط هي الأمة الأعلى  والأشرف بين الأمم، لأنها تقوم على طريق الحق والعدل. وللوسطية مظاهر عدة  منها :

ـ الوسطية في التصور والاعتقاد، لا غلو في التجرد الروحي، ولا في الارتكاس المادي.

ـ الوسطية في التنظيم لا تدع الحياة  كلها للمشاعر والضمائر، ولا تدعها كلها للتشريع والتأديب، وإنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب.

ـ الوسطية في الارتباطات والعلاقات، لا تلغي  شخصية الفرد ومقوماته، ولا تتلاشى شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة، ولا تطلقه فرداً جشعاً لا هم له إلا ذاته، وإنما تجعل الفرد خادماً الجماعة، والجماعة كافلة للفرد في تناسق واتساق، فعندما اشتد جموح الأفراد وأنشطتهم لتدمير طبقة الأوزون عن طريق زيادة استخدام الفلوروكربون، سارع العالم إلى عقد الاتفاقيات لتقييد حرية الدول في استخدامه حفاظاً على حقوق الإنسانية جمعاء، إنها المسؤولية المشتركة.

9.  تنهى مبادئ الإسلام عن الإسراف والتبذير في استعمال ما أنعم الله به على الإنسان من موارد البيئة، قال تعالى : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (سورة الأعراف، الآية : 31 ).

إن الإسراف والتبدير ضرب من ضروب الفساد في الأرض المنهي عنه شرعاً، قال تعالى : { فاتقوا الله وأطيعونِ ولا تطيعوا أَمْرَ المسرفين الذين يُفْسِدُونَ في الأرضِ ولا ُيْصِلحونَ } ( سورة الشعراء، الآيات : 152-151-150).

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الإسراف في استهلاك الماء عند الوضوء، فقد مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد؟ فقال : أفي الوضوء سرف ؟ قال : نعم وإن كنت على نهر جار  (رواه مسلم).

كما حث الإسلام في الوقت نفسه على تهيئة الموارد الطبيعية للاستغلال، ويدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم   :(من أحيا أرضاً ميتة فهي له) رواه البخاري.

10.  دعا الإسلام إلى الاحتكام إلى شريعة الله حكومة وشعباً والأخذ بمبادئ العدل والشورى، ففي كثير من الدول النامية لا يشارك الشعب في اتخاذ القرارات التنموية، وتفرض عليه مشاريع التنمية، دون أخذ رأيه تجاهها. ويترتب على عدم مناقشته  لمثل هذه المشاريع، وتحديد نتائجها، مشاكل بيئية لا حصر لها،  تكون الحكومات في غنى عن مواجهتها لو استمعت إلى الجماهير التي سوف تعود عليها نتائج التنمية.

 

وقد دعا الإسلام إلى عدم الانفراد بالرأي، ومشورة الجماعة. قال تعالى : { والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } (سورة الشورى،الآية : 150)،  كذلك بالمعارضة تظهر عيوب خطط التنمية والآثار السلبية لتفاعل الإنسان مع البيئة.

.11 الحريم

عينت الشريعة الإسلامية حرماً متنوعة يحرم فيها التعمير، أو يقيد لحماية المرافق العامة والموارد المهمة من الإفساد والإضرار، فلكل قرية أو مدينة حرم حولها حيث لا تملك الأراضي للأحياء، ولأهل القرية جميعاً إدارة هذه الأراضي  المشتركة بينهم لتأمين ما يحتاجون إليه من المرعى والحطب وغير ذلك، وكذلك موارد المياه كالأنهار والعيون والآبار ومسايل المياه، والمرافق العامة كالطرق والأفنية، لها حرمة مشروعة، وذلك لمنع إفسادها، وتيسير استعمالها وصيانتها، ومن واجب السلطة أن تمنع الاعتداء على مثل تلك الحرم.

.12 الحمى

لولاة الأمور الحق بل عليهم أن يحموا الأراضي ذات المنفعة العامة كإدارة المراعي والغابات، ومستجمعات المياه والحيوانات البرية والمحافظة عليها فقد حمى رسول الله صلى الله عليه و سلم   أراضي في سبيل الله للمصالح العامة. ولولاة الأمور، داخل هذه الأحمية، أن يمنعوا التعمير وقطع الشجر والرعي والصيد، أو تقييده، حسب الأهداف المعنية لكل حمى.

.13 الوقف الخيري

إن الإسلام يحث المسلمين كأفراد على المشاركة في المحافظة على البيئة وعمارتها الرشيدة عن طريق الهبة والوصية، وأهم النظم الشرعية في هذا المجال هو نظام الوقف الخيري. وقد يكون الوقف على شكل أرض مخصصة لأغراض خيرية كالأبحاث الزراعية أو الرعوية أو محتطب لقرية أو حوض أو بئر أو حديقة عامة، أو يكون الوقف على شكل عقار أو مال مخصص للإنفاق على مشاريع مماثلة. وفي هذا محافظة على الموارد الطبيعية في البيئة.

.14 الحرمان الشريفان :

خصص رسول صلى الله عليه و سلم   مناطق معينة من مكة والمدينة كمحميات طبيعية، وحدد رسول الله للحرم المكي حدودا من جميع الجهات لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده. وعن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه و سلم   قال :(إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها، لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها).

يتضح مما سبق أن الإسلام أول من قرر مبدأ المحميات الطبيعية وأقام محميتين طبيعيتين وحدد حدودهما، كما سن التشريعات المناسبة لحماية الحياة البرية فيهما، فبالنسبة للمُحْرِِم بمكة إذا قتل صيداً أو قطع شجرة طبيعية لم يستنبتها الإنسان، فإنه يكون آثماً ويجب عليه الاستغفار كما تجب عليه الغرامة، وهي دفع قيمة ما قطع أو الهدي (وهو ما يهدى إلى الحرم من النعم مثل الإبل، وغيرها).

15 ـ تضمن الفقه الإسلامي العديد من القواعد الفقهية التي تعتبر الأساس للعديد من الأنظمة والقوانين الخاصة بالتنمية المستدامة، ومنها :

1-15 .  لا ضرر  ولا ضرار :

أي لا يضر الإنسان غيره بأعماله، ولا هو يضار بأعمال الغير، فمن حق الإنسان أن يستمتع على سبيل المثال بمشاهدة التلفاز، والاستماع إلى الراديو، لكن ليس من حقه أن يتسبب في إزعاج الآخرين عن طريق رفع الصوت من وسائل الاتصال الحديثة، فحرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. ومن حق الإنسان استخدام المياه في الشرب وأغراضه الخاصة، لكن ليس من حقه تلويث المياه أو إهدارها، فكل حق بيئي يقابله واجب بيئي.

2-15  درء المفاسد مقدم على جلب المصالح :

فما أدى إلى حرام فهو حرام، كما أن منع الضرر قبل حدوثه أولى في معالجته بعد حدوثه. فمن المؤكد أن منع التلوث الغذائي قبل وقوعه، أولى من معالجته بعد حدوثه.

3-15  تَحَمُّلُ الضرر الخاص لدفع الضرر العام :

فعدم استخدام المبيدات بكثرة، واستخدام المقاومة البيولوجية بدلاً من المقاومة الكيميائية، أفضل من الضرر الذي قد يصيب عدداً كبيراً من جراء تلوث التربة، والتي لها آثار جانبية على الإنسان والحيوان بالإضافة إلى أنها تقتل الكائنات الدقيقة الموجودة  في التربة (المحللات) والتي تعمل على تكوين مادة "الدوبال" التي تؤدي إلى خصوبتها، ومن هنا كان تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

4-15  الضرر يُزال :

من يتسبب في إحداث الضرر، ينبغي عليه إزالته، فإلقاء السفن الضخمة فضلاتها في البيئة البحرية، يلوثها ويدمر النباتات البحرية، مما يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، ومن هنا يجب على المتسبب أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لإزالة الآثار السيئة لأفعاله، حيث يعدُّ هذا إفساداً في الأرض، وقد توعد الله المفسدين بالعذاب الشديد.

وهناك الكثير من المبادئ الفقهية التي تقوم عليها فكرة التنمية المستدامة، وضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال الحالية والمستقبلية، وعدم تبديدها أو إهدارها، ومن هذه المبادئ :

5-15  الحكم يدور مع علتة وجوداً وعدماً.

6-15  إذا زال المانع عاد الممنوع.

7-15  إذا سقط الأصل، سقط الفرع.

8-15  ليس كل ما هو مشروع للفرد، مشروعاً للجماعة.

9 -15  المعروف عرفاً، كالمشروط شرطاً.

10-15  ما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.

11-15  الأصل في الأشياء الإباحة.

ثانياً: تعريف التنمية المستدامة من وجهة نظر إسلامية :

بناء على الأسس والمبادئ والمقومات التي تمت مناقشتها سابقاً والتي تقوم عليها التنمية المستدامة من منظور إسلامي، يمكن تعريف التنمية المستدامة من وجهة نظر إسلامية التعريف التالي :

التنمية المستدامة من وجهة نظر إسلامية عملية متعددة الأبعاد، تعمل على التوازن بين أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والبعد البيئي من جهة أخرى، وتهدف إلى الاستغلال الأمثل للموارد والأنشطة البشرية القائمة عليها من منظور إسلامي يؤكد أن الإنسان مستخلف في الأرض له حق الانتفاع بمواردها دون حق ملكيتها، ويلتزم في تنميتها بأحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، على أن يراعي في عملية التنمية الاستجابة لحاجات الحاضر، دون إهدار حق الأجيال اللاحقة، ووصولاً إلى الارتفاع بالجوانب الكمية والنوعية للمادة البشر.

وهذا التعريف يتضمن ثلاثة عناصر أساسية :

1. عملية متعددة الأبعاد تقوم على التخطيط والتنسيق بين خطط التنمية الشاملة من جهة وبعدها البيئي من جهة أخرى.

2. الاستغلال الأمثل للموارد من منظور إسلامي.

3.  توفير حق الأجيال الحاضرة واللاحقة من الموارد والارتقاء بالجوانب الكمية والنوعية للمادة والبشر.

من العرض السابق لأسس ومقومات التنمية المستدامة، وتعريفها، يتضح أن الإسلام قد أمر بها منذ أكثر من ألف وربعمائة عام، وقبل أن تظهر الفكرة في مؤتمر ريودي جانيرو عام 1992، وبيان التنمية المستدامة من وجهة نظر إسلامية يربطها بالوحي الإلهي، فتظل مصونة من الخطأ والزلل، محوطة بضمانات من الوحي الرباني والهدي النبوي، كما قال صلى الله عليه و سلم  : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي).

ومما لاشك فيه أن العالم الإسلامي يتمتع بخصوصية ثقافية واحدة جامعة، أسسها وأرسى دعائمها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وقواعد الفقه الإسلامي، والأثر الثقافي والأخلاقي الذي تتميز به حضارتنا الإسلامية، والذي يشجع على الحوار، لإيجاد وئام وتوافق دولي بين الحضارات والأديان، يكون أحد مخرجاته تحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

الفصل الرابع

المعوقات الأساس للتنمية المستدامة، ومطالب الدول الأعضاء من القمة العالمية للتنمية المستدامة

أولاً : المعوقات الرئيسة للتنمية المستدامة في العالم الإسلامي.

1.  الفقر وتراكم الديون

ـ الفقر مفهوم متعدد الأبعاد فهو يعني انعدام الحيلة، والتعرض للمعاناة، والخوف. والفقر لا يشمل فقط انخفاض الدخل  والاستهلاك، بل يشمل أيضاً ضعف الإنجاز في مجالات التعليم، والصحة والتغذية، والإسكان، وغيرها من مجالات التنمية.

ـ يرجع الفقر بصفة أساس إلى أن توزيع المكاسب العالمية غير متكافئ بصورة صارخة، فمتوسط دخل الفرد في أغنى 20 بلداً في العالم، يعادل 37 مثلاً لمتوسط الدخل لأفقر 20 بلداً في العالم.

ـ يتم اتخاذ نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي، كمؤشر عام يوضح مدى الاستقرار المادي لأفراد الشعب، وبالنظر إلى نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في الدول الأعضاء في  منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك لعام 2000، بالدولار الأمريكي، نجد ما يلي :

1 . هناك دول في العالم الإسلامي نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي فيها مرتفع، والذي يبلغ أكثر من 9266 دولاراً كما حددته بيانات البنك الدولي عام 2001 وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، سلطنة بروناي، دولة الكويت، دولة قطر.

2.  دول نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 756 دولاراً حتى أقل من 9266 دولاراً، وتتمثل في، الأردن، سلطنة عمان، إيران، ماليزيا، جزر المالديف، سورينام، المغرب، الجزائر، تونس، الجابون، سوريا، مصر، البحرين، باكستان، بنجلاديش، أذربيجان، قازاخستان، السنغال، غينيا، تشاد، بنين، جابون، جمبيا، الكاميرون، قيرغيزستان، أندونيسيا، موريتانيا، بوركينا فاسو، نيجريا، كوت ديفوار (30 دولة).

3.  دول ذات دخل منخفض : والتي يبلغ نصيب الفرد فيها الناتج القومي الإجمالي 755 دولاراً أو أقل، وتشمل : اليمن، جزر القمر، النيجر، غينيا بيساو، سيراليون، ويتضح من مؤشر متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي أن هناك تفاوتاً في توزيع الثروة في العالم الإسلامي، وأنه يجب على دول العالم الإسلامي الغنية أن تستثمر أموالها في الدول الفقيرة في العالم الإسلامي.

ـ يدفع الفقر إلى استنزاف الموارد الطبيعية المتوفرة والقليلة وإلى استعمالها استعمالاً عشوائياً، حيث تستعمل الأراضي الهامشية إلى درجة استنزافها، وتنخفض قدرتها على الإنتاج الزراعي، كما تقطع أشجار الغابات لأغراض التدفئة بسرعة لا تسمح بتعويض ما تم قطعه، وهذه الجدلية بين الفقر واستنزاف الموارد الطبيعية قد يكون سببها ضغط الديون الخارجية، التي تجعل الفقير لا يستطيع التفكير في المدى البعيد، ولايفكر إلا في قوته اليومي الذي يمثل بالنسبة له أكبر التحديات.

ـ تشكل خدمة الدين بالنسبة لصادرات السلع و الخدمات عام 1998، في بعض دول العالم الإسلامي :

بالنسبة لسوريا 6,4% ، الأردن 16,4% ، أندونيسيا 33% ، باكستان 23,6% ، بنجلاديش 9,1% ،  إيران 20,2%، طاجيكستان 13,7% ،  قيرغيزستان 9,4%، مصر9,5% ، السودان9,8% ، المغرب 23% ، الجزائر 42% ، تونس15,1% ، موريتانيا27,7% ، نيجيريا 11,2% ، كاميرون22,3% ، النيجر12,6% ، السنغال 23,2 ، غينيا 19,5% ، لكل من تشاد وبنين 10,6% ، وغينيا بيساو25,6%  وفي جامبيا 9,7% .

مما سبق يتضح أن خدمة الديون كنسبة مئوية من صادرات السلع والخدمات تشكل عبئاً على اقتصاد معظم دول العالم الإسلامي.

ـ وقد حرصت مبادئ الإسلام على محاربة الفقر بضمان حد الكفاية لكل فرد يوفره لنفسه ولمن يعولهم بعمله وجهده، فإن لم يستطيع ذلك  لسبب خارج عن إرادته، كمرض أو عجز أو شيخوخة، تكفلت له بذلك الدولة من مال مؤسسة الزكاة التي انفرد الإسلام بإنشائها منذ أربعة عشر قرناً ليحرر الإنسان من عبودية الفقر والحاجة، وليخلص في عبادة الله وحده.

2.  الحروب وانعدام الاستقرار وغياب الأمن

شهدت معظم بلاد العالم الإسلامي خلال القرن العشرين، وخاصة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، الكثير من النزاعات والصراعات والحروب الأهلية، كان من أسبابها الرغبة في السيطرة على الأرض والموارد ولقد أدت إلى عرقلة مسيرة الدول التنموية وزعزعة استقرارها واستنزاف قواها ومواردها، وكان لها أبلغ الأثر على حالة بيئتها الطبيعية والبشرية، كما كان لها عواقب مدمرة، ومآسي إنسانية كثيرة تمثلت في نزوح اللاجئين والمتضررين وإفراز فقراء ينهشهم المرض والجوع.  ومن هذه النزاعات والصراعات والحروب بشكل عام:

1. الصراع العربي  ـ الإسرائيلي.

2. مشكلة الألغام التي خلفتها الحروب في العالم الإسلامي.

3. النزاعات الحدودية العربية والإسلامية.

4. النزاعات حول الموارد المائية المشتركة.

5. الصراعات والحروب الأهلية (في الصومال ـ السودان ـ جزر القمر ـ الجزائر...الخ)

6. حرب الخليج الثانية والتي أدت إلى دمار بيئي كبير.

7. فرض العقوبات (على العراق ـ وليبيا).

8. النزاع بين الهند وباكستان.

3. قلة الإمكانات التقنية والخبرات الفنية، وعدم توفر التقنيات الحديثة والملائمة للظروف المحلية للعديد من دول العالم الإسلامي لقلة الموارد المالية ويظهر ذلك كمثال فيما يصرف على التعليم في بعض هذه الدول مقارناً بالدول المتقدمة.  فما تزال معظم بلدان العالم الإسلامي بعيدة عن تحقيق الاستيعاب الكامل للأطفال في مدارس التعليم الابتدائي، رغم رفعها شعار إلزامية التعليم، وبشكل عام يلاحظ انخفاض قدرة التعليم الثانوي في بلدان العالم الإسلامي على استيعاب التلاميذ في الشريحة العمرية المقابلة، وإذا كانت نسبة طلاب المدارس الإعدادية والمتوسطة تصل في بعض البلاد إلى 90% أو أكثر، فإن نسبة طلاب التعليم الثانوي إلى الشريحة العمرية المقابلة تنخفض في بعض بلدان العالم الإسلامي لتصل إلى 25%، ويؤدي هذا بالتالي إلى جفاف المنبع الذي تخرج منه الخبرات الفنية بالإضافة إلى هجرة العقول  إلى الدول المتقدمة.

ـ تتزايد الفجوة في نوعية التعليم بين الدول الصناعية والدول النامية ومنها دول العالم الإسلامي ويبدو أن تلك الفجوة النوعية في ازدياد. وتشير الإحصاءات إلى أن دول أوربا الغربية كانت تنفق ما قيمته 14 مثلا لما تنفقه الدول النامية على كل طالب عام 1960، وفي عام 1980 بلغت نسبة ما تنفقه الدول الصناعية 50 مثلاً لكل طالب، وهذا بطبيعة الحال له انعكاساته على التفاوت في مدخلات العميلة التعليمية، واحتياجتها الفنية، وبالتالي على المستوى العلمي ومستوى المهارات لمخرجات التعليم، ومن ثم اتسعت الفجوة النوعية بين دول الشمال ودول الجنوب، وتجسد ما عرف باسم فجوة المعرفة بين الدول الغنية والفقيرة، بل وبين الأغنياء والفقراء في القطر الواحد.

4.  تدني الأوضاع الإقتصادية، مما ينعكس سلبياً على قدرات الدول في الالتزام بمسئولياتها تجاه التنمية العالمية المستدامة، ويرجع ذلك إلى انخفاض متوسط دخل الفرد في معظم دول العالم الإسلامي، ضعف رأس المال المتاح للاستثمار في النهوض بقطاعات الإنتاج، ،انتشار البطالة وعدم وجود فرص عمل بصفة خاصة للشباب وانخفاض مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وازدياد مساهمة القطاع الأول كالزراعة والصيد والرعي، وقطع الأخشاب، وارتفاع نسبة الأمية، وارتفاع معدلات النمو السكاني، والتبعية الاقتصادية الخارجية والاعتماد على سلعة واحدة تقوم الدولة بتصديرها، والهجرة من الريف للمدن...إلخ، واستثمار الأموال العربية في الدول الغربية، حيث تقدر الأموال العربية المستثمرة في خارج العالم الإسلامي بما لا يقل عن 800 مليار دولار، علماً بأن الاستثمار في الدول الإسلامية وإن كان أقل ربحية إلا أنه أكثر أماناً. ومما لا شك فيه أن هذه الأوضاع الاقتصادية تؤثر على تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة.

5 . عدم وجود مواءمة بين النمو السكاني والموارد الطبيعية المتوفرة لتلبية احتياجات معدلات النمو في الدول الإسلامية، فإذا أخذنا على سبيل المثال الأراضي الصالحة للاستخدام نجد أنها محدودة بالنسبة للمساحة الكلية لمعظم دول العالم الإسلامي، فهي تبلغ 31,9% في سوريا، و6% في مصر، وهي منخفضة في الجزائر والسودان، وتصل أدنى النسب 0,5% في السعودية. وقد أدت الضغوط السكانية إلى تزايد التوسع في زراعة مناطق الرعي الطبيعية والزراعات المطرية، وقد أدى كل ذلك إلى ازدياد معدلات الرعي الجائر، والتصحر بين مختلف أرجاء العالم الإسلامي.

وإذا أخذنا مصادر المياه العذبة كمثال، فقد انخفضت حصة الفرد من المياه العذبة في المنطقة العربية بشكل حاد.

من 4000 متر مكعب للفرد الواحد عام 1950.

إلى 1312 متر مكعب للفرد الواحد عام 1995.

إلى 1000 متر مكعب للفرد الواحد عام 2001.

والمنتظر 500 متر مكعب للفرد الواحد عام 2025.

ويؤثر في مشاكل المياه في المنطقة عدة عوامل منها :

ـ سرعة تزايد معدلات النمو السكاني.

ـ الإدارة والسياسات والممارسات غير الفعالة  للمياه.

ـ الوضع الأمني المتقلب وسريع التأثر.

ـ الأنهار التي تنبع من خارج حدود العالم الإسلامي.

ويعتبر نقص إمدادات المياه إحدى أولويات القمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبرج في أغسطس 2002، ولقد تبنت العديد من دول العالم الإسلامي سياسات وبرامج طموحة تهدف إلى تنمية مصادر المياه المتجددة لتغطية النقص الحاد في إمدادات المياه الصالحة للشرب، ومن هذه المصادر محطات تحلية مياه البحر، وإنشاء السدود لتجميع مياه الأمطار، واستغلال المياه الجوفية المتجددة، ونشر الوعي البيئي بين الأفراد لترشيد استهلاك المياه في مختلف الأغراض، بالإضافة إلى برامج ناجحة للتخطيط والتنظيم العائلي.

6. عدم وفاء الدول المتقدمة بتقديم المساعدات التي وعدت بها للدول النامية

كان من نتائج مؤتمر قمة الأرض بريودي جانيرو عام 1992، تعهد الدول المتقدمة بتقديم 0,7% من إجمالي ناتجها المحلى إلى الدول النامية، لمساعدتها في تنفيذمشروعات بيئية  تحقق أهداف التنمية المستدامة، هذا بالإضافة إلى أن الدول المتقدمة هي المسؤول الأساس عن تلوث البيئة، حيث تنتج   80%  من إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن للأسف لم تف إلا بعض الدول الأسكندينافية  (السويد ـ النرويج  ـ فنلندا ـ الدنمارك) بنحو 0,33% من إجمالي نتاجها المحلي، لمساعدة الدول النامية، ومنها بالطبع دول العالم الإسلامي، وتطمح الدول النامية في مؤتمر قمة التنمية المستدامة بجوهانسبرج إلى تحويل أعباء الديون وفوائدها إلى موارد مالية لخدمة أهداف التنمية المستدامة.

ثانياً : ماذا تريد الدول النامية (ومنها دول العالم الإسلامي من قمة التنمية المستدامة بجوهانسبرج؟

مجالات الدعم المطلوبة من المجتمع الدولي لتحقيق التنمية المستدامة في الوطن العربي والعالم الإسلامي.

1. السلام والأمن :

أ) المساعدة الدولية في حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي وفقاً لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية وتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يضمن إعادة كامل الحقوق لأصحابها بما فيها الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية كخطوة أساس لاستقرار المنطقة وتعزيز مسار التنمية المستدامة.

ب) حث المجتمع الدولي على تحديد مفهوم الإرهاب وإيجاد تعريف متفق عليه مع التأكيد على أن مقاومة الإحتلال لا تعتبر بأي حال من الأحوال إرهابا، بل تعتبر عملاً شرعياً وفق ميثاق الأمم المتحدة.

ج) مسؤولية الدول التي تسببت في فقدان أو تدهور الموارد الطبيعية أثناء الحروب في دفع التعويضات أو تكاليف الإصلاح، وبالمثل مسؤولية الدول التي زرعت الألغام في تحمل تكاليف إزالتها، والدول التي استخدمت اليورانيوم المستنفذ في دفع تعويضات الأضرار التي تسببت عن ذلك.

د) تكثيف الجهود لمنع امتلاك واستخدام الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من هذه الأسلحة.

هـ) حل النزاعات بين دول العالم الإسلامي وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.

2 . مكافحة الفقر :

أ) دعم الدول المتقدمة ومؤسسات التمويل الدولية للجهود المبذولة من قبل الدول النامية، في إيجاد المناخ الدولي الملائم للقضاء على الفقر.

ب) التأكيد على كافة منظمات الأمم المتحدة، أن يكون القضاء على الفقر أحد أهم محاورها الأساس وتطوير برامج المساعدات الدولية لتشمل القضاء على الفقر وإشراك المجتمع المدني فضلاً عن تشجيع القروض الميسرة.

ج) عدم استخدام أي نوع من أنواع الحصار الاقتصادي على الدول، والتأكيد على رفع الحصار والعقوبات الاقتصادية عن الدول العربية المفروض عليها، لأنه يؤدي إلى مزيد من التدهور في مستوى معيشة الطبقات الفقيرة.

3. عبء الديون :

إلغاء الديون والخدمة المترتبة عليها، والاستفادة من زيادة الموارد في تمويل مشاريع التنمية المستدامة وخاصة الموجهة للحد  من الفقر والحفاظ على البيئة.

4. التجارة الدولية :

أ) التأكيد على أن تعمل منظمة التجارة العالمية على تحقيق ما أنشئت من أجله لصالح الأعضاء من الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، وتحرير التجارة وفتح الأسواق أمام صادرات تلك الدول، وأن يكون للدول النامية ومنها دول العالم الإسلامي نصيب عادل من هذه الأسواق، وعدم إقحام المعايير البيئية والمهنية في المفاوضات وتركها للجهات المختصة الأخرى.

ب) توفير المساعدات الفنية للدول النامية ومنها دول العالم الإسلامي لتعزيز قدراتها على النفاذ إلى الأسواق، وخاصة من حيث تنويع الصادرات وتحسين جودة وكفاءة المنتج العربي واستخدام تقنيات الإنتاج الأنظف.

 5. العولمة :

أ)  مساعدة الدول النامية على مواجهة آثار العولمة التي قد تحد من إمكانية تحقيق التنمية المستدامة فيها، والاستفادة مما يمكن أن تقدمه العولمة من فرص قد تؤدي إلى قدر من الإنتاجية وبمستوى أعلى من المعيشة لشعوب الدول النامية.

ب) مشاركة عادلة لجميع الدول في العولمة تحكمها حرية انتقال الموارد البشرية والتقنيات إلى جانب حرية تدفق رؤوس الأموال والمنتجات والخدمات. واعتماد ميثاق شرف لعمل الشركات متعددة الجنسية، ووضع ضوابط لضمان تدفق وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر بما يتفق والأولويات والاحتياجات الأقليمية والمحلية.

6.  دعم القدرات في مجال البحوث ونقل التكنولوجيا :

أ) توجيه المجتمع العلمي الدولي والجهات المانحة ومنظمات الأمم المتحدة إلى دعم قدرات المراكز الأكاديمية والبحثية في الدول النامية ومنها دول العالم الإسلامي وخاصة في مجال تطوير البرامج وتعزيز القدرات المتصلة بالأولويات البحثية في كل منطقة، فمثلاً في دول العالم الإسلامي، يأتي في مقدمة أولوياتها وأهمها تحلية مياه البحر، والتقنية الحيوية، والطاقات الجديدة والمتجددة وتطوير التقنيات التقليدية، وتطبيق المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية واستخدام التقنيات وأساليب الري الحديثة التي تشجع على ترشيد استعمالات المياه والتوسع في استخدام السلالات النباتية المتأقلمة مع الظروف  المحلية وخاصة شح المياه وارتفاع درجة الحرارة ونسبة الملوحة.

ب) تقديم الدعم إلى القطاع الخاص لمساندة التحول إلى وسائل الإنتاج الأنظف، وهي خطوة مهمة لزيادة قدرة الدول النامية على تنفيذ التزاماتها طبقا للاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة.

ج) على الدول المتقدمة أن تغير من أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدام التي تؤدي إلى نضوب الموارد وتيسير توفرها للدول النامية.

د) تيسير إتاحة التقنيات المعلوماتية والاتصالات الحديثة التي تفتح آفاقاً جديدة لترشيد استخدام الموارد للدول النامية ومنهادول العالم الإسلامي.

7. الحاكمية  والمشاركة في صنع القرار :

العمل على تعزيز دور الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة ذات العلاقة بالتنمية المستدامة وتطوير آليات عملها بما يمكنها من تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج الخاصة بالتنمية المستدامة بأسلوب متكامل، ودعوتها لتوثيق التعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومؤسساتها.

8. السكان والنمو الحضري والصحة والبيئة :

أ) العمل  على وضع سياسة متكاملة تُراعي بُعدي النمو السكاني، والخصائص السكانية، وتعالج اختلال التوازن السكاني بين الريف والمدن.

ب) دعم الخطوات الإيجابية التي تقوم بها الدول النامية، ومنها دول العالم الإسلامي  لتحقيق التكامل بين الاستراتيجيات الصحية والبيئية، وخاصة من حيث توفير الغذاء والمياه الصالحة للشرب، ومعالجة مياه الصرف والمخلفات الصلبة، والتحكم والحد من المخاطر المحتملة الناتجة عن الكيماويات والتلوث بمختلف أنواعه والمواد المعدلة وراثياً وتحقيق الأمان النووي في ودول العالم الإسلامي.

9. الإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية :

أ) مساعدة الدول النامية ومنها دول العالم الإسلامي في وضع السياسات والبرامج للحد من تدهور البيئة والموارد الطبيعية، والعمل على إدارتها بشكل مستدام بما يحقق الأمن المائي والغذائي والمحافظة على النظم الأيكولوجية والتنوع الحيوي ومكافحة التصحر.

ب) إن الدول المتقدمة وخاصة الصناعية منها هي المسؤولة بشكل رئيس عن التلوث العالمي وتزايد معدلاته بما فيها التغيرات المناخية واستنفاد طبقة الأوزون وذلك من خلال أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام التي تبنتها.

ج) حث الدول الصناعية على الحد من أنماط الاستهلاك المدمر للموارد البيئية وذلك من خلال برامج واضحة خاصة بتعديل وتطوير أساليب الاستهلاك والتحول إلى أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدام.

10. الصناعة والسياحة :

أ) دعم جهود الدول النامية في نقل وتوطين وامتلاك التقنيات الحديثة بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية والإجتماعية والبيئية في دول المنطقة ودراسة تلك التقنيات المراد استيرادها وتقييم تطبيقاتها وآثارها المحتملة وتلافي سلبياتها قبل الشروع في تطبيقها في المنطقة للنهوض بالإنتاج الصناعي.

ب) الحاجة إلى جهود دولية لتعزيز مفهوم السياحة التي تعتمد على الاستغلال الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية والآثارو وتعزيز مفهوم السياحة البيئية.

11. التراث الحضاري والطبيعي :

أ) الدعوة إلى إرساء شراكة عالمية تستفيد من الإرث الأخلاقي والثقافي الذي تتميز به الحضارة العربية الإسلامية لتحقيق التوجه الذي تسعى الأمم المتحدة إلى ترسيخه والمتمثل في تشجيع الحوار لإيجاد وئام وتوافق دولي بين الحضارات والأديان.

ب) توفير الدعم الفني والمادي للمساعدة في صيانة وحماية وتنمية التراث الحضاري والطبيعي للعالم الإسلامي.

12. التمويل :

أ) تعزيز موارد المرفق العالمي للبيئة للمساعدة في تنفيذ الاتفاقيات الدولية المعنية بالبيئة وإيجاد فرص عادلة ومتكافئة لجميع الدول النامية للاستفادة من هذا المرفق.

ب) وفاء الدول المتقدمة والجهات المانحة بما دعت إليه الأمم المتحدة وأكدت عليه مقررات ريو بشأن زيادة المساعدات الرسمية لتصبح 0,7% من الناتج الإجمالي للدول المتقدمة.

ج) ضمان متابعة القمة العالمية للتنمية المستدامة من خلال الآليات الدولية المتاحة ودعمها بما يلزم من موارد إضافية على المستويين الدولي والإقليمي.

14. تعزيز دور الجمعيات الأهلية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة:

ينبغي تعزيز دور الجمعيات الأهلية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي وتدعيم الجهود التي تبذل حالياً لتدعيم وممارسة مبدأ الشراكة بين المؤسسات الدولية والجمعيات غير الحكومية مع توفير التمويل اللازم لها للقيام بخطط تنموية تحقق أهداف التنمية المستدامة.

http://www.isesco.org.ma/pub/ARABIC/Tanmoust/P5.htm



01/06/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 9 autres membres